على مرّ العقود الماضية، كانت المحاماة جزءاً لا يتجزأ من بنية العدالة في المغرب، وكان هناك تفهّم عميق من قبل الوزراء المحامين لأهمية الحفاظ على دور المحامين في الدفاع عن المواطنين وضمان حقوقهم. الوزراء السابقون مثل المعطي بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي و عباس الفاسي كانوا يؤمنون أن مهنة المحاماة هي ركن أساسي للعدالة، وكانوا يُحجمون عن أي سياسات يمكن أن تُضعف مكانتها أو استقلالها.
الوزراء المحامون السابقون كانوا يعرفون من داخل المهنة أهمية كرامة المحامي، وأهمية دوره في دعم المواطنين، لذا كانت سياساتهم دوماً توازن بين ضرورة الإصلاح من جهة، وحماية حقوق الدفاع واستقلالية المحاماة من جهة أخرى. كما كانوا يراعون أن المحامي يواجه سلطة الدولة ممثلة في النيابة العامة، ولذلك يجب أن يتمتع بحصانة واستقلالية تعينه على أداء دوره بفعالية.
- النهج التشاركي والتشاور المستمر
سادت في عهد الوزراء السابقين ثقافة الحوار المفتوح والتشاور المستمر مع هيئات المحامين قبل اتخاذ أي قرارات تؤثر على المهنة. وكان لهذا النهج أثر إيجابي في بناء الثقة المتبادلة بين المحامين والوزارة.
هذا النهج جعل المحامين يشعرون بأنهم جزء من القرارات المتعلقة بتطوير المهنة، مما ساعد في تجنب الأزمات والتوترات، كما تم التعامل مع مقترحات قوانين المسطرة المدنية والجنائية بشكل تشاوري، بحيث يتم الحفاظ على المكاسب الحقوقية التي تحققت على مرّ الزمن.
- الوضع الحالي والتوترات المتصاعدة
في الوضع الحالي، نجد أن القرارات المتعلقة بمهنة المحاماة صدرت بشكل يُنظر إليه كسياسة “فوقية” لا تأخذ في الحسبان المشورة والتفاهم مع الأطراف المعنية، وهو ما يفسر حالة الاحتقان التي يشعر بها المحامون اليوم. هذه السياسات، بحسب العديد من المحامين، قد أسهمت في خلق فجوة بينهم وبين الوزارة.
مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية، الذي يُعتبر سبباً رئيسياً في هذا التوتر، يأتي بمقترحات يُنظر إليها على أنها قد تضعف الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة، وتجعل المحامي في موقف ضعف، ما أثار موجة من الانتقادات التي تتمحور حول أن هذه التعديلات قد تكون موجهة أكثر لخدمة سياسات معينة، دون الاهتمام بتأثيرها على المواطن العادي.
- مقارنة العلاقة مع السلطات الأخرى
من المهم أيضاً النظر إلى كيفية تفاعل وزراء المحامين السابقين مع السلطة القضائية والتنفيذية. عادةً ما كانت هناك موازنة دقيقة بحيث لا تتداخل السلطة التنفيذية في اختصاصات المحامين ولا تضغط على استقلاليتهم، حفاظاً على الشفافية وضمانات المحاكمة العادلة.
أما في الوقت الحالي، يُلاحظ أن هناك توجهاً نحو زيادة السلطة على استقلالية المحاماة، ما قد يؤدي إلى تصادم وتعارض في السلطات وتقليص دور المحاماة كمدافع عن المواطن والمجتمع أمام الجهاز القضائي.
- هل يعكس الوضع الحالي نزعة للتحكم أم رؤية إصلاحية؟
تساؤلات كثيرة تُطرح حول نوايا الإصلاح، فهل التعديلات المقترحة هي بالفعل إصلاحات لمصلحة المواطن؟ أم أنها تُسهم فقط في زيادة الرقابة على المحاماة وتقليص دورها كمدافع عن حقوق المواطنين؟
من ناحية أخرى، يرى البعض أن التعديلات قد تكون مدفوعة بمحاولة توسيع نفوذ السلطة التنفيذية على القطاع، وهذا، بحسب منتقدي الوضع الحالي، يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات ويضعف الثقة في قدرة النظام العدلي على توفير محاكمة عادلة وشفافة.
- النتيجة المتوقعة في حال غياب الحوار
إن غياب الحوار في القضايا الحالية لن يؤدي فقط إلى مزيد من التصادم مع المحامين، بل سيؤثر سلباً على نظرة المجتمع وثقته في العدالة. فالمحاماة ليست مجرد مهنة بل هي ضامن أساسي لحقوق الأفراد أمام القضاء.
إذا استمر الوضع دون الوصول إلى تفاهمات مرضية، قد يُعزز ذلك من الشعور بعدم الاستقرار المهني، ويدفع المزيد من المحامين إلى تصعيد نضالاتهم بما قد يؤثر على مصالح المواطنين وضماناتهم القانونية.
إن الوضع الحالي يتطلب إعادة النظر في النهج الذي تُدار به العلاقة بين وزارة العدل والمحامين، ويفرض على جميع الأطراف العودة إلى طاولة الحوار وإعادة تقييم السياسات بما يضمن حماية حقوق الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة.
إن تجربة الوزراء السابقين، بفضل احترامهم لمهنة المحاماة، تُظهر أن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق بفرض القوانين دون استشارة، بل بالتعاون والتفاهم بين الأطراف المختلفة، وهو ما يمثل خطوة أساسية لضمان منظومة عدالة شفافة وعادلة تخدم المجتمع ككل.