يبدو أن وزير العدل، وهو الذي يتبوأ منصباً حساساً في السلطة التنفيذية، قد اختار أن يفتح جبهة غير محسوبة مع مهنة المحاماة، عبر التركيز المفرط على جمعية هيئات المحامين بالمغرب ووصفها بـ”جمعية مؤسسة في إطار ظهير 1958”.
فمن الواضح أن السيد الوزير يتعمد بشكل ممنهج تكرار ذكر هذا التصنيف، كأنه يسعى لإعطاء إيحاءات ورسائل مبطنة مفادها أن جمعية هيئات المحامين هي مجرد “جمعية مدنية” أسست في إطار ظهير 1958، وبالتالي فهي أقل من أن تجلس على طاولة الحوار وتفرض شروطها على مؤسسة تشريعية دستورية.
هذا التوصيف هو محاولة لتقزيم مهنة المحاماة، وإعطاء انطباع خاطئ وكأن جمعية هيئات المحامين، التي تمثل أكثر من 20 ألف محامٍ ومحامية وحوالي 17 هيئة على المستوى الوطني، ليست إلا مجرد “جمعية مدنية” لا تستحق أن تُمنح قيمة تضاهي مكانة المؤسسة التشريعية، ولا ينبغي لها أن تتحدى الوزير أو تناقش قراراته.
إننا أمام خطاب يحاول عزل الجمعية عن سياقها الحقيقي، وكأنها كيان مستقل عن المحامين المغاربة، متجاهلاً حقيقة أن جمعية هيئات المحامين ليست مجرد هيئة ذات طابع مدني فحسب، بل هي الإطار التمثيلي الذي يجمع الهيئات المنتخبة في كل ربوع المملكة، والتي اختارت بإجماع رؤساء الهيئات وأعضاءها أن يفوضوا لرئيس الجمعية مهمة النطق باسمهم والدفاع عن مصالحهم في القضايا المشتركة. فالوزير عندما يشير إلى “جمعية ظهير 1958”، فإنه يتجاهل عمداً التعداد الضخم للمحامين الذين يمثلونها ويقفون وراءها، وهو بذلك يخاطب مؤسسة منتخبة بشكل مباشر ويغفل حجم المسؤولية التمثيلية التي تضطلع بها الجمعية، ناهيك عن تاريخها الطويل والعريق في الدفاع عن الحقوق والحريات.
بل إنه حتى عند مخاطبته مجلس المستشارين، يتعمد الوزير استخدام الضمير “هم” بشكل غير مباشر، متجنباً ذكر كلمة “المحامون” أو “رئيس وأعضاء مكتب الجمعية”، في محاولة واضحة لإبقاء الصورة مشوشة لدى النواب والمستشارين، وكمحاولة مبطنة للتحريض على رفض استجابة هذه المؤسسة لطلب المحامين.
لكن ما يتجاهله السيد الوزير أن هذه المحاولات لن تضعف المهنة ولن تقزم دورها، فمهنة المحاماة لطالما واجهت أزمات تاريخية أعتى من هذه المحاولات. وإذا كان نابليون بونابرت نفسه لم يستطع النيل منها، فكيف بوزير واحد في زمن الديمقراطية والدولة الحديثة أن ينال منها أو يقلل من شأنها؟ المحاماة ركن أساسي في منظومة العدالة، وممثلها، الجمعية، ليس مجرد كيان مدني يمكن تجاوز حضوره، بل هي بيت المحامين المغاربة ووسيلة توحيد كلمتهم وتنسيق مواقفهم.
السيد الوزير، بدل التركيز على ما تعتقده نقاط ضعف قانونية أو تنظيمية، من الأجدر أن تدرك أن جمعية هيئات المحامين بالمغرب ليست مجرد “جمعية”، بل مؤسسة تجمع تمثيلاً حقيقياً لآلاف المحامين، وتستحق أن تتعامل معها بقدر من الاحترام الذي يليق بها وبمهنة المحاماة ككل. إن الاحترام المتبادل بين السلطة التنفيذية والمهن المنظمة هو أساس لحوار بناء، يهدف إلى تحسين أوضاع العدالة وليس لافتعال مواجهات سياسية أو إعلامية فارغة.