أخبارالرئيسيةتقارير وملفات

السلطة والمعرفة في الوطن العربي

  • عبدالرحيم شمسي

كثيرون يرون أن السلطة بالمجتمعات تنتج المعرفة، وذلك وفق أنماط مختلفة و على مقاسات متفاوتة، حيث تسيطر عليها وتهيمن عليها بعد أن تقوم بمأسستها.

جميع الناس مفكرون، لكن وظيفة (المثقف) لا يقوم بها كل الناس هكذا يعرف المفكر الماركسي الإيطالي “أنطونيو غرامشي1891-1937 Antonio Gramsci” المثقف في كتابه الشهير كراسات السجن، ويفرق بين فئتين من المثقفين فئة الكهنة والمعلمين وفئة المثقفين، الذين يمارسون دورا حيويا مهما في تكوين وبناء الإيديولوجيات، من أجل توسيع الأفكار عكس الفئة الأخرى التي تبقى في مكانها.

أماالفيلسوف الفرنسي “جوليان بيندا Julien Benda” صاحب كتاب “خيانة المثقفين La Trahison des clercs ” يقول من خلاله أن عموم المثقفين الذين رآهم، جميعا خانوا الفكر النقي الخالص، هائمين وراء الأهواء السياسي والأيديولوجية، متخلين عن المثل العليا التجاوزية، معتبرا أن كل المثقفين قد غدروا به، هم الذين كانت مهمتهم تقضي في الأساس محاربة كل ضروب ما يسمونه بالواقعية السياسية والنزعات القومية.
أما “جون بول سارتر Jean-Paul Sartre “في كتابه الدفاع عن المثقفين، رأى أن المثقف يجب أن يكون ضد كل سلطة خاصة السلطة السياسية.

أما “ادوارد سعيد Edward Saïd” فقد رأى في كتابه المثقف والسلطة، أن المثقف يجب أن يقوم بدور محدد في الحياة العامة في مجتمعه، ولا يمكنه إختزال صورته بحيث تصبح صورته مجهولة الهوية ويصبح مجرد فرد كفء ينتمي إلى طبقة ما، ويمارس عمله فحسب ويعتقد سعيد أن المثقف يتمتع بموهبة خاصة تمكنه من حمل رسالة ما، و هذا دور فعال ومؤثر لايمكن للمثقف أداءه إلا اذا أحس بأنه شخص يقوم علنا بطرح أسئلة جريئة.

السلطة والمعرفة يختزلان بعضهما البعض، هذين المفهومين أثارا جدلا واسعا منذ سبعينات القرن الماضي وتعددت الدراسات وإختلفت الآراء حول العلاقة الجدلية التي تربط بعضهما البعض خاصة في الوطن العربي.

العلاقة القائمة بين هذين المفهومين لم تعد مقتصرة في السياسة، لأن المعرفة إرتبطت بأنواع أخرى من السلط وأصبحت علاقتهما جد مقعدة. اذ تعددت السلط وتتعددت المعارف وللحديث عن العلاقة التي تربط بين السلطة والمعرفة لابد أن نتطرق الى مسألة إشتغال السلطة من خلال مفهوم الدولة كما عرفه “عبدالله العرويAbdallah Laroui” ويعني أولوية الدولة، أي نحن نولد في خضم السلطة لكن هذه الاخيرة لا يمكن أن تنشأ أو تستمر دون وجود سلطات مختلفة، أي أن السلطة تتفرع منها سلطات أخرى على شكل كتل سلطوية مثل الدين والمرأة الأعراف وقضايا الجنس، ومن خلال هذه السلطات تنشأ علاقات متداخلة ومعقدة بين السلطة والمعرفة من خلال هذا التوزع السلطوي.

من ينتج الآخر السلطة أم المعرفة؟

علاقة جدلية تربط المفهومين لأن السلطة لا يمكن أن تكون بدون معرفة، وإذا قلنا أن ممارس السلطة الأولى ماكان له أن يقوم بها لولا المعرفة التي مكنته من من الحصول على هذه السلطة، حتى الإنسان القديم لم يستطع التغلب على الطبيعة أي التسلط عليها دون معرفة قواعدها. إذن السلطة هي الأولى لكنها كانت مرفوقة بالمعرفة وهذا التصور جاء وفق دراسة السلطة في المجتمعات القديمة لأن السلطة جاءت موازية مع المعرفة.
ولكن إذا لم تكن المعرفة في خدمة المجتمع لا يمكن أن نتحدث علاقة جدلية بينهما، وإذا هيمنت السلطة على المعرفة نجد أنفسنا أمام الإستبداد، لأن السلطة يجب ان تكون عارفة للمعرفة وغير مهيمنة عليها كحال بعض المجتمعات الأتوقراطية.

هل السلطة العربية تهيمن على المعرفة؟

للاجابة على هذا السؤال الجوهري وجب علينا أن نفكك مفهوم المعرفة، وأن نعيده الى طبيعته الإنسانية، فعدما ننظر الى المعرفة نجد أنها مهمة الانسان، وهي ميزة خاصة به لذلك يكمن إعتبارا الإنسان كائن عارف، فهو يبحث عن المعرفة الفردية لأن المعرفة موغلة فالطبيعة الإنسانية. وهذا ما أكده المفكر طوماس “سويل Thomas Sowell” بدراسته لأصول المعرفة لدى الأطفال وأطلق عليها ثورة الشهر التاسع حيث الطفل يبدأ في باكتشاف المعرفة من شهره التاسع.

وبدراستنا لموضوع السلطة في المجتمعات العربية وعلاقتها بالمعرفة تبين أن المعرفة خرجت من مكانها الأصلي وتحولت إلى معرفة ممأسسة متحكم فيها، وبالتالي تحولت الى خطاب منتج أصبح يستعمل داخل السلطة السياسية. حيث تستعمل المعرفة عبر مراقبة الخطاب الذي يؤسس المعرفة الإنسانية، فالسلطة في الوطن العربي توظف المعارف والثقافات للتوغل داخل مجتمعاتها باعتبارها سلاح ذو حدين إذن السلطة توظف المعرفة لدورها المهم فالسلطة اليوم تحاول ان تنتزع المعرفة من طبيعتها المجتمعية ومن الانسان الفرد وتحويلها إلى إنتاج مراقب لفرض الهيمنة التي تريدها السلطة، والمعرفة لا يمكن ان تتحقق دون أن تتوفر شروط الحرية وشروط العمل الجماعي.

للمعرفة تمظهرات كثيرة مثل اللغة، الفن الصور النقوش الأزياء…هي نتاج الانسان المستقل عن السلطات السياسية فهو يبدع في إنتاج معارفه بقدر ما للمعرفة من أبعاد أبرزها البعد الإنساني الذي يخدم الإنسان.كما لا ننسى أن السلطة الغربية هي التي تؤثر في العالم العربي في عدة مظاهر مختلفة وفي مجالات، فلا من يمكن لنا ان نحدد العلاقة بين السلطة والمعرفة في الوطن العربي دون أن نتطرق إلى السلطة الغربية ومامدى تأثيرها على الوطن العربي.

لاختزال العلاقة بين المعرفة و السلطة والحديث عن هذه العلاقة هناك مقاربتين أساسيتين :
إحدى المقاربات هي المقاربة الأوربية التي تحدتث عن المثقف بوصفه ذلك الفيلسوف الذي ينشر القيم الإنسانية، و يدافع عن الأخلاق عن المجتمع .

و المقاربة الثانية هي المقاربة الأمريكية التي لم تتحدتث عن المثقف كفيلسوف الذي يلتزم بقضايا المجتمع، وإنما تطرقت الى ما أسماه بعض الباحثون بالخبير أو العالم الذي ينتج المعرفة ويجعل السلطة قادرة على فرض هيمنتها، إنطلاقا من هذه الصور نجد أن المثقف العربي أفكار التغيير وأن السلطة في الوطن العربي تستفيد من هذا الاخير حتى يسن لها التحكم في المعرفة. لابد نميز بين المثقف و الفيلسوف الذي يقدم خدمة للمجتمع وبين الخبير أو العالم الذي يخدم الآلة السياسية.

فسلطة الوطن العربي دائما مستمرة ومحافظة على الوضع القائم مستفيدة بما يقدمه الخبير أو العارف، عكس المجتمعات المتقدمة التي نجد فيها فلاسفة ومثقفون، لم يحصروا أنفسهم في إنتاج المعرفة المكتوبة ولكن انخرطوا في الشأن العام بمعرفتهم الخاصة، وهذا الذي لا نجده في الوطن العربي الذي يؤسس المعرفة، والحديث عن إستقلال الفيلسوف أو الخبير أو المثقف تحتاج إلى تفكيك فلا يوجد أي عالم أو فيسلوف مستقل عن السلطة لانه يتحرك في مساحة توفرها له، وهذا ماكان يحدث في التجارب السياسية السابقة التي مجتمعاتها فقهية وكانت تنشئ مدارس فقهية تقدم معرفة ممأسسة، وبالتالي فالمثقف يتأثر بظروف المجتمع الذي نشأ فيه فلا يمكن للمثقف العربي أن يكون مستقل لانه يحمل في تكوينه التراث الذي ترعرع فيه ويخضع للسلطات مختلفة كسلطة الدين وسلطة العادات والاعراف ليجد نفسه مكبل ثقافيا.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button