من هم بناة الروابي؟
- عبد الرحيم شمسي
عند قراءتنا لكتاب “الاثار القديمة لوادي الميسيسيبي للكاتب” افرايم سكوير Ephraim Squier” الذي صدر سنة 1848 والذي يضم 300 صفحة، نستخلص منه أن” سكوير ” حاول أن ينتج حقائق معتمدا على رسومات توضيحية لشعب استقر في أمريكا وفي كندا وعرف هذا الشعب بخصائص ميزته عن باقي الشعوب الأخرى التي تم التعرف عليها من طرف الباحثون المهتمون بدراسة الحياة الإجتماعية للشعوب القديمة، ومن بين هاته الخصائص والميزات أن هذا الشعب كان بارعا في بناء ماسمهاه علماء “الاركيولوجيا” بالروابي وأطلق عليه إسم شعب :باني الروابي” أو “بناة الروابي “.
في مضامين هذا الكتاب الذي كان هو الكتاب الوحيد الذي إستفرد بالحديث عن بناة الروابي أو التلال في وقت سابق، حيث حاول المؤلف تصنيف السدود الترابية والتلال التي تم اكتشافها في وادي” أوهايو Ohio” و”البحيرات العظمى Grands Lacs” التي تمتد من “نبراسكا Nebraska “إلى” فلوريدا Floride”.
عمل” سكوير ” على تصنيف التلال التي تم العثور عليها فصنفها الى “تلال التضحية Hills of sacrifice” و “تلال المعابد Temple Hills”.كما إهتم بعناية فائقة بكل الاكتشافات الصغيرة التي تهم “بناة الروابي” فاكتشف أشكال حيوانات منحوتة من الحجر الأملس التي أثارت دهشته لأنها كانت متطورة إبداعيا، فخلص من خلال أبحاثه أن هذا الشعب كان خببرا في بناء السدود الترابية الدفاعية، من أجل حماية أنفسهم لأنهم كانوا يتعرضون لهجومات من غزاة.
لكن السؤال الذي ظل يحير علماء الآثار يتجلى في معرفة من هم بناة الروابي؟ هل هم شعب الهنود في المحليين الذين استقروا في الأمريكيتين؟ أم هم شعب أقدم من الهنود؟ أم هم شعب غازي؟
في عام 1492 وعندما وطئت قدما الرحالة الإيطالي “كريستوف كولومبوس Christophe Colomb”، في إحدى جزر البهاما وجد أناسا محليين حاول أن يتخدهم خداما له لكن مع مرور الوقت هؤلاء السكان تعرضوا لأمراض أدت إلى إنخفاض عدد كبير من سكان “جزر الكاريبي Caraïbes”.
فعندما قام كريستوف كولومبوس بعرض بعض الأسرى على ملك اسبانيا، بدأ الجدل حول السكان الأصليين، لكن في سنة 1519 قام القائد الإسباني “هرنان كورتيس Hernán Cortés” بالكشف عن “شعب الازتيك Les Aztèques” الذي إتخد من “تينوختيتلان Tenōchtitlan” عاصمة لهم وتعني الكلمة موضع “الصبار “.حيث ضمت 200 ألف شخص وكان فيها سوق تجارية كبيرة تنافس تلك الاسواق التي تم العثور عليها في المواقع الاثرية الأخرى مثل القسطنطينية.
هذا التنوع الثقافي والعرقي للمجتمع الأمريكي القديم آثار جدلا حقيقيا في أوربا فبدأت التساؤلات والجدالات العلمية تتساقط مخلفة آراء مختلفة عن أصول هؤلاء السكان هل هم محليين أم أنهم جاءوا من مناطق أخرى. لكن في سنة 1589 قام “خوسيه دي اكوستا José da Cost” بالإعلان أن هؤلاء السكان قد عبروا الى أمريكا الشمالية قادمين من آسيا، هذا الرأي حصل على تأييد بعد مرور ثلاثة قرون من طرف عالم آثار يسمى “صامويل هافن Samuel Hearne” في هذا الوقت الذي أعلن فيه هذا المفكر أن الهنود عبروا “مضيق بيرينغ Détroit de Béring” في وقت سابق وفي عصور قديمة في هذه المرحلة كان المزارعون يبحثون عن أراضي خصبة حتى عثروا على مئات التلال في وادي “أوهايو Ohio ” ومن خلال التنقيبات التي قام بها المزارعون بحثا عن الذهب والكنوز وجدوا العديد من الهياكل العظمية البشرية والحلي المصنوعة من الأصداف والأسلحة دون العثور على أي قطعة ذهبية.
التلال أو الروابي التي تم العثور عليها كانت كثيرة جدا ومنتصبة ومنتشرة على شكل مجموعات مرتبة بانتظام، هذا الإحكام في بناء هاته التلال طرح فرضية أن الشعوب الهندية الحديثة لم تقم ببناء هذا النوع من التلال حيث وجدت انواع منها مدفونة بشكل واضح مع شواهد مكتوبة بدقة، كما ثم العثور على أنابيب حجرية وأواني فخارية وحلي كانت مصنوعة بتقنيات بارعة، ومن هنا بدأ الفضول العلمي الذي حاول إكتشاف هؤلاء الذين قاموا ببناء الروابي، فمع الأبحاث التي خاضها علماء الآثار تبين أن الهنود كانوا بدائيون جدا ولا يمكن لهم بناء مثل هاته التلال، “كالب أتواتر Caleb Atwater” دخل على خط علماء الآثار حيث كان يشغل منصب مدير مكتب بريد “سير كل فيل” فقام بمسح أعداد كثيرة من التلال وحفرها ووجد مئات المدافن، فأصر على أن الذين بنوا التلال كانوا رعاة وجاءوا من آسيا معتمدا في تحليله على الروايات الدينية التي ذكرت في التوراة لان الباحث كان متدينا جدا وقد أقر أن الفياضان المذكور في التوراة كان سبب هجرتهم من آسيا نحو أمريكا.
ومن هنا تضاربت التكهنات حول بناة التلال حيث سنة 1881 خصص الكونغرس الأمريكي أموال للقيام بأبحاث حول بناة التلال، وتقرر أن يعمل البروفيسور” سايروس توماس Cyrus Thomas” الذي كان جيولوجيا ومعتقدا أن الذين بنوا التلال لا علاقة لهم بالهنود الحمر، إستعان توماس بفريق علمي مكون من ثمانية أشخاص انتشروا في التلال وإستغرق عملهم حوالي سبعة سنوات جمعوا البيانات الدقيقة، وأخدوا عيينات من أكثر من 2000 تل وحصل توماس على 38 الف قطعة أثرية، وفي سنة 1894 نشر توماس تقريرا يضم 700 صفحة، يستند إلى بيانات دقيقة حيث وصف مئات السدود الترابية وصفا دقيقا وقام بمقارنة القطع الأثرية التي وجدها مع الأشياء التي صنعتها المجتمعات الأمريكية الأصلية التي كانت تعيش آنذاك، واهتم بدراسة كل الكتب التي دونها الرحالة القدامى التي تتناول موضوع التلال، فبعد مدة تراجع توماس عن فكرة وجود شعب قبل شعب الهنود الحمر الى أن جاء العلم ليحل مكان كل التخمينات التي وضعها المهتمون بالآثار.
فعندما ظهر علم الآثار وظهرت تقنيات البحث الحديثة بدأت الأمور تأخد طريقها نحو النجاح تنوعت الأبحاث وأصبحنا اليوم نعرف الكثير عن مجتمع” أدينا Adena” “وهو بويل Hopewell ” الذي بنى الروابي وترك تفاصيل معتقداته وطقوسه وعاش الى فترة التاريخ المسجل.
إذن فبناة الروابي هم شعب عاش في الأمريكيتين هم من أقدم الهنود تركوا للعالم هضاب تذكارية تضم مقابر ومعابد، لازالت الى حدود اليوم متواجدة في كندا في والولايات المتحدة.