بقلم: عبد السلام البوسرغيني
يدفعنا طرح قضية الإستدانة إلى التساؤل مثلا ، عن مدى صلاحيتها ؟ وهل هي ضرورية ؟ أم يمكن الإستغناء عنها ؟ وما هي شروط الحصول عليها ؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي يفرضها النقاش ٠
لقد دفعنا إلى هذا النقاش ما صرح به الرئيس عبد المجيد تبون أثناء زيارته لتركيا في منتصف شهر مايو 2022، معلنا أن الجزائر لا توجد عليها ديون خارجية ، وأنها واقفة على رجليها ، وبدا وكأنه يفتخر بذلك أمام الحاضرين في لقاء رجال الأعمال الأتراك مع زملائهم الجزائريين ٠
أعتقد أنه ما كان لي أن أتطرق لهذا الموضوع الذي هو في الواقع شأن جزائري ، حتى ولوكانت له علاقة بالصراع القائم بين المغرب والجزائر لولم يتعرض المغرب لحملات مشبوهة، وحتى وأنا ما زلت أتردد في أن أقتدي أم لا بالمسؤولين المغاربة الذين ينزهون أنفسهم عن الدخول في أي جدل عقيم، إن لم أقل في أية مهاترات من تلك التي يحلو للجزائريين ، من مسؤولين ومنتسبين إلى النخبة الخوض فيها للطعن في المغرب وفي قيادته ، متخذين من استدانة المغرب إحدى الدوافع للطعن في سياسته ٠
وهم اذ يفعلون ذلك فلكي يغلطون الرأي العام الجزائري لحمل مواطنيهم على الافتخار بكون بلادهم توجد في غنى عن الإستدانة ٠ بيد أن الحقيقة التي يجب أن يعرفها الموطن العادي في البلد الجار تتمثل فيما يلي : ” إن الجزائر لا تستدين ، لا إستغناء ، ولكن لأنها لا تلبي شروط الاستدانة أصلا ، بسبب أوضاعها الاقتصادية والماكرو إقتصادية ، لأن الإستدانة – كما استنتجت من أقوال أحد الخبراء – ستفرض عليها شروطا لا تستطيع سياستها الحالية تلبيتها ، هذا فضلا عن كون الجزائر بحاجة إلى إصلاحات ماكرو اقتصادية وعلى مدى سنوات ، ولن يتحملها الوضع الاقتصادي والإجتماعي للبلاد “.
هذه هي الحقيقة كما شرحها لي الإستاذ إدريس أبو الشمائل عندما استشرته في الموضوع ٠ وبالنسبة للخبير الإقتصادي الأستاذ محمد الشرقي ” فإن كل الدول ، حتى المتقدمة منها لها ديون تقارب مجموع الناتج الإجمالي ، بما فيها أمريكا واليابان وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها ، والمهم – في نظر زميلنا الشرقي – أن تكون للدول القدرة على تسديد الديون ، وأن يكون قد تم استخدامها في بنية تحتية متطورة تساعد على جلب الاستثمارات المباشرة لما يخلق فرص الشغل ويزيد من حجم الصادرات ومن المساهمة في التنافسية الاقتصادية العالمية والتموقع في مجال الإبتكار والإبداع والبحث العلمي “.
وفي الإمكان القول بأن المغرب اذا كان قد استطاع أن يسير على هذا المنوال ، فلكونه سعى وما يزال إلى تحقيق ما مكنه من خلق مصادر الثروة في مختلف الميادين الاقتصادية ، مستعينا بالإستدانة التي تقدم لمن يستحقها وقد أتاح له ذلك تنويع صادراته بما في ذلكً ملايين الأطنان من المنتجات الزراعية ٠
والمغرب لم يعتمد على إقتصاد الريع الذي جعل الجزائر تعيش على ما تدره المحروقات التي تشكل أكثر من تسعين بالمائة من الصادرات ، وكأن البلاد لا تنتج ما يصلح للتسويق ، هذا في الوقت الذي تعتمد على الإستيراد لتلبية حاجياتها من المواد الغذائية الأساسية ٠ أفلا يكون ذلك من نتائج سوء التدبير وغياب الحكامة الجيدة ؟.
إنه لا يمكن لأي أحد أن يجادل في كون الجزائر في حاجة إلى ترقية القطاع الفلاحي والزراعي لسد الخصاص في المواد الغذائية التي كثيرا ما تشكوالبلاد من ندرة بعضها ، كالحليب والزيوت والسميد مثلا ٠ وإذاما تواضع المسؤولون الجزائريون ، فان المغرب مستعد لإستقبال الأطر الجزائرية لكي يتعلموا ما يفيدهم لتحقيق بعض مما لا يفتأ الرئيس عبد المجيد تبون ووزراؤه يعدون الجزائريين بتحقيقه ، ويحتاج إلى ما يتطلبه من دراسات وممارسات لن يبخل المغرب بتقديمها للجزاير الشقيقة ٠
ولا أعتقد أن الجزائريين غابت عنهم حصيلة تطبيق المخطط الأخضرالذي حقق فائضا هاما في مجال الحليب ، وفي الانتاج الزراعي بما أتاح لقطاع الزيتون مثلا أن يرتفع بنسبة 45٪ ٠. وبعد ، فإنه ما كان لي أن أخوض في الشأن الجزائري الداخلي لو لم أدرك أن الواجب يفرض علي التنبيه إلى إن الحملات الموجهة ضد المغرب لإيهام الرأي العام في الجزائر أن المغرب يعاني من المجاعة في كثير من المناطق ، تستهدف صرف الأنظار عن المعضلات التي يعاني منها المواطنون الجزائريونإنني لا أحبذ الخوض في المقارنة بين المغرب والجزائر ، ولكن الحملات الفجة الموجهة من المخابرات الجزائرية فرضت علي ذلك ٠
وأرى أننا إذا كنّا في حاجة الى المقارنة لنعرف ونتعرف على وضعنا ، فيجب أن تكون المقارنة مع الدول المتقدمة لتحفزنا على مضاعفة الجهود حتى يكون وطننا قادرا على رفع التحديات والتغلب على المشاكل والمعضلات التي قد تواجهه.