أصدر مرصد حقوق الناخب تقريرا مهما الاسبوع الماضي، حول التجربة البرلمانية ، في الفترة ما بين 2016 و 2021، وهي فترة حساسة في التاريخ السياسي المغربي، الدكتور احمد الجزولي الخبير في الشؤون البرلمانية، كان له معنا لقاء وادلى بدلوه في هذا الحوار:
كيف تعلقون على تجربة المرصد الوطني لحقوق الناخب الحاصل على تجربة الصفة الاستشارية بالمجلس الاقتصادي الاجتماعي للأمم المتحدة بشأن رصده او بالأحرى تقييمه لتجربة مؤسسة تشريعية في مرحلة معينة؟
اطلعت على التقرير، فعلا تجربة تستحق الإشادة باعتبارها عملية رصد لولاية مؤسسة منتخبة كاملة من منظور مستقل، وباعتبار منتج التقرير هو المجتمع المدني. وهذا ينضاف لعدد من المبادرات المدنية الأخرى، بحيث أدعو السياسيين والبرلمانيين الحاليين إلى الاطلاع على التقرير وأخذ خلاصاته بعين الاعتبار في عملهم اليوم، وأن تكون عين الملاحظ المستقل حاضرة في مسار عمل المؤسسات، مسألة في غاية الأهمية، لأنها تحفز الفاعل السياسي على تجويد أفضل لأدائه، وتؤكد أن مراقب الحكومة، هو أيضا تحت “المراقبة”.
هل في اعتقادكم استطاعت هذه التجربة التي هي عبارة عن تقرير لمؤسسة مدنية ان تستحضر في دلالاتها واقع المنظمات المدنية بالمغرب وأدائها التشاركي؟
خصص التقرير حيزا مهما للديمقراطية التشاركية ،وهذا واضح من خلال النص. طبعا، هذه تجربة أولى في الرصد الشامل لولاية كاملة للمؤسسة التشريعية، وآمل أن يتطرق التقرير القادم لتجربة الترافع المدني أمام البرلمان، لأن هذا جوهري في قضايا الديمقراطية عموما، وقضايا الديمقراطية التشاركية على وجه الخصوص، وأيضا أن يعمق تقييم مدى انفتاح البرلماني على المجتمع المدني.
بحكم خبرتكم الميدانية هل وصلنا للقول إن المؤسسة التشريعية انتقلت في عملها من البنية الكلاسيكية إلى بنية حداثية تعتمد على التحول الدستوري والرفع من جودة المهام الموكولة لها؟
أعتقد أن المؤسسة التشريعية تبذل مجهودات، لكنها لازالت دون مستوى طموح الدستور أولا، والحاجيات الكبيرة للمواطنات والمواطنين ثانيا، كما يكمن دور البرلمان في فرض، وليس فقط نقل،انتظارات المواطنات والمواطنين على الحكومة من خلال آليات دستورية تكمن في التشريع والمراقبة، وفرض تجويد السياسات، وأيضا في وضع مطالب الدائرة الانتخابية على جدول أعمال صناع القرار.
للبرلماني القوة والقدرة على فرض الأشياء، لأنه هو من أعطى الشرعية للحكومة بالتصويت على برنامجها، وله دوره الدستوري في المحاسبة على الأداء، سواء كان في الأغلبية أو المعارضة.
ويجب القول إن هناك، أحيانا، مبادرات جيدة لا تصل إلى الرأي العام بالشكل المطلوب، وهذا يتطلب التمكن من التواصل الفعال باعتباره أساسيا في العمل السياسي، وهذه من بين نقط ضعف أعضاء مجلسي النواب والمستشارين، لا يتواصلون بشكل جيد ونوعي.
كيف ترون البرلمان في التجربة الديمقراطية بالمغرب وهل نحن قادرون على ان تكون مهام تقييم السياسات العمومية اضافة الى التشريع والرقابة والتمثيلية؟
التجربة البرلمانية تراكم، ليس بالسرعة المطلوبة لكنها تتطور. بالنسبة لتقييم السياسات العمومية، لا أعتقد أن كلا من البرلمان والحكومة يدركان الأهمية القصوى للموضوع على الأقل من خلال ما تمت برمجته في إطار إعمال الموضوع ومن خلال تصريحات المسؤولين التشريعيين والتنفيذيين على السواء.
ثم ان مفهوم تقييم السياسات العمومية جديد نسبيا على الحكومة وعلى المؤسسة التشريعية، لأننا في بداية تجربة متباطئة في حاجة إلى خبرة تقنية كبيرة، اذ يجب أن يكون هناك إتفاق على فهم جماعي ولو في خطوطه العامة حول تقييم السياسات العمومية.
وعلى الحكومة والبرلمان أن يتفقا على معايير التقييم. طبعا، هذا يفترض أن تكون هناك معايير لكل سياسة عمومية، تتحدد انطلاقا من الأهداف المزمَّنة، وهذا لا يجب أن يكون موضوع أغلبية ومعارضة، لأن الأغلبية والمعارضة تكون قبل التصويت، أما لما يتم التصويت وإقرار السياسات، الكل مسؤول عن التنفيذ، إذن تقييم التنفيذ لا يجب أن يكون موضع اختلاف بين الأغلبية والمعارضة، وهو تقييم تقني أولا.
إلى ذلك تبقى مسالة تقييم السياسات العمومية لا يستقيم إلا بوجود خطة للتقييم ملحقة بكل سياسة قطاعية، وهذه غير موجودة، ولم يطالب بها مجلس النواب قبل التصويت على البرنامج الحكومي الذي هو مجموع سياسات الحكومة. كان من المفروض أن تكون هذه الخطة ضمن مشروع البرنامج الحكومي وأن تخضع لمناقشة تفصيلية، خصوصا على مستوى معايير التقييم، وهذه المعايير هي التي كان بالإمكان اعتمادها في التقييم، لا يمكن الحديث عن تقييم السياسات العمومية دون معايير التقييم، وأن تكون المعايير متفق عليها بين الحكومة والبرلمان.
كما انه يجب التذكير ان تقييم السياسات العمومية تأطير دستوري لأحد الأدوار الرئيسية للبرلمان، وذلك من أجل تثبيت شفافية ونجاعة وفعالية السياسات العمومية وجعلها قائمة على نتائج يلمسها المواطن في حياته اليومية.
وماذا عن الدبلوماسية الموازية؟
نجحت المؤسسة التشريعية في الحضور بشكل وازن في الإتحاد البرلماني الدولي والإتحاد القاري، والاتحادات الإقليمية وهذا مهم جدا للتعريف بالتجربة المغربية ككل بما في ذلك التجربة البرلمانية. واليوم، تحتاج الدبلوماسية البرلمانية لجرعة إضافية من خلال الحوار والتبادل القوي مع البرلمانات في مختلف قارات العالم، للتعريف بقضايانا وتعزيز الجسور، وجعل جاذبية المغرب حاضرة في أذهان شعوب العالم. لممثلي الشعب القدرة على إيصال الرسالة ولهذا يجب الاشتغال بشكل دائم على الخطاب التواصلي للنواب والمستشارين، ليتمكنوا من التطور المتصاعد في أداء مهامهم، أي بطرق أكثر إتقانا وأكثر فعالية، طرق تحقق نتائج ملموسة في زمن سياسي معروف أنه قصير “عمر الولاية “.