أخبارالحكومةتقارير وملفاتمجتمع

برنامج “مصالحة” السجناء فريد من نوعه على المستوى العالمي

يفتح برنامج “مصالحة” الباب لكل من أخطأ بحق مجتمعه أو وطنه للعودة من جديد. وأقر المغرب، في 2016، استراتيجية جديدة تتعلق بالمعتقلين وموظفي السجون، تهدف إلى ضمان أمن وسلامة النزلاء، وتشمل “أنسنة ظروف الاعتقال” و”إعداد المعتقلين للإندماج الاجتماعي والاقتصادي”. ويقوم برنامج “المصالحة” على أربعة ركائز ، ذكر المندوب العام لإدارة السجون محمد صالح التامك، أنها المصالحة مع الذات، والمصالحة مع المجتمع، والمصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع النظم والمعايير المنظمة للمجتمع في علاقته بالفرد وبالمؤسسات الشرعية المؤطرة للحياة العامة.

يندرج برنامج “مصالحة” الذي قامت المندوبية العامة ببلورته وتنفيذه عام 2017، بالاعتماد على مواردها الذاتية وبتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وخبراء مختصين، ضمن مساعي المندوبية لتوفير الشروط المناسبة لإعادة إدماج فئة المعتقلين المدانين في قضايا التطرف والإرهاب بالمؤسسات السجنية، من خلال تبني مقاربة علمية تتكامل مع الجهود المتعددة الأبعاد والمبذولة على المستوى الوطني في مجال مكافحة الإرهاب والتطرّف في إطار الاستباقية الأمنية والتحصين الروحي ومحاربة الهشاشة. وتم تطبيق النسخة الأولى من برنامج “مصالحة”، بين 29 ماي و25 يوليو 2016، بتأهيل معتقلين في قضايا إرهاب، تمهيدًا لإعادة إدماجهم بالمجتمع.
وتشرف على البرنامج المندوبية العامة لإدارة السجون، بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان. واستفاد عشرات السجناء من عفو ملكي، بعد التأكد من “تخليهم عن الأفكار المتطرفة، واحترامهم لمقدسات البلاد ومؤسسات الدولة”.

وسجل التامك، أنه تم الإفراج عن 156 منهم، بينهم 116 بموجب عفو ملكي، إضافة إلى تخفيض العقوبة لفائدة 15 نزيلا آخرين، لتصل بذلك نسبة الاستفادة من العفو الملكي السامي 63.27 بالمائة. وذكر المندوب العام أنه في إطار مقاربة النوع تم توسيع برنامج “مصالحة” ليشمل النساء المعتقلات بموجب قانون مكافحة الإرهاب خلال دورته الخامسة المنظمة عام 2019، حيث استفادت منه 10 نزيلات من أصل 13 من هذه الفئة، أي بنسبة مشاركة تجاوزت 77 بالمائة، لافتا إلى أنه قد تم الإفراج عن جميع المستفيدات من هذه الدورة الخاصة، 08 بعفو ملكي ونزيلتين بنهاية العقوبة خلال فترة تنفيذ البرنامج.
وعن الأبعاد المؤسسة لبرنامج “مصالحة”، قال التامك إنها تتمثل في “المصالحة مع الذات، والمصالحة مع المجتمع، والمصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع النظم والمعايير المنظمة للمجتمع في علاقته بالفرد وبالمؤسسات الشرعية المؤطرة للحياة العامة”، مشددا على أن ” البرنامج يكرس المبدأ الذي قامت عليه تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة في صيغة جديدة تتميز بكون مفهوم (المصالحة)، الذي يقوم عليه، يجعله مبادرة صادرة عن النزلاء الذين تحمل المجتمع أضرارا مادية ومعنوية بسبب أفكارهم المتطرفة أو أعمالهم الإرهابية”.
وتابع المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج أن “الاستفادة من البرنامج تقتضي من السجناء المعنيين إرادة واستعدادا لتصحيح مفاهيمهم وأفكارهم”.
واعتبر أن هذا البرنامج فريد من نوعه على المستوى العالمي، إذ نال استحسان العديد من الشركاء الإقليميين والدوليين، مشيرا إلى أنه يدخل ضمن الاستراتيجية العامة التي وضعتها المملكة المغربية، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، الخاصة بتدبير الحقل الديني والقائمة على التعاليم الإسلامية الحقة المبنية على الوسطية والاعتدال والانفتاح والتسامح ونبد كل أشكال التطرف والعنف.
وصرح رئيس المرصد المغربي للتطرف والعنف مصطفى الرزرازي، أحد الأعضاء المشرفين (على التأطير)، إن البرنامج يركز على مصالحة هؤلاء السجناء مع الذات وتوجيه النصح لهم، وأن التعامل مع هذه الفئة من السجناء مكّن من إيجاد عدد من الآليات، وتوظيف تقنيات علمية واختبارات نفسية للتأكد من وقوع التغيير، قبل الخروج بخلاصات وتقييمات. وأضاف، أن من الجوانب المستبعدة في برنامج “مصالحة” الاستفادة من السجناء السابقين مع العلم أن هذه الجزئية مهمة في الشق الوقائي، واستذكر بالخصوص تجربة الجماعة المقاتلة في ليبيا وتجارب أخرى كتجربة الأردن. وتابع بأن خصوصية الظاهرة الإرهابية في المغرب أنها لم تقترن بتنظيمات إرهابية داخلية، كما هو الحال في بلدان أخرى، وأوضح أن الإشكال كان مع أفراد وخلايا وليس مع تنظيمات إرهابية، وهو ما جعل البلاد تتجاوز مسألة نقاش “المراجعات الفكرية” على عكس بلدان أخرى، حضر فيها هذا الموضوع بقوة.
وقال رئيس رابطة علماء المغرب أحمد عبادي حول البعد الديني في برنامج “مصالحة” الذي يتضمن محاضرات ونقاشات، “انخراط هؤلاء المدانين بتهم الإرهاب في المسارات التي سلوكها ناجم عن قصور في فهمهم للدين”، لافتا إلى أن “هذا القصور يتم استدراكه في هذا البرنامج، وفق منهج يظهر الدين في كلياته، ويعيد بيان كيف يوضع الكلم في مواضعه، واستكمال العدة حتى يتم القيام بالاستنباط السليم”. ووصف العبادي “مصالحة” بالبرنامج الإنساني الذي يغطي أبعادا منها الذاتي والنفسي والمجتمعي مشددا على أنه لتغطية كل هذه الأبعاد كان لزاما توفر الإرادة والعزيمة لدى السجناء.

شارك 15 سجينا في الدورة التاسعة من “مصالحة”، منهم شباب مغاربة كانوا يقيمون في دول أوروبية قبل الالتحاق بالتنظيمات الجهادية في سوريا والعراق، ليرتفع عدد المستفيدين من البرنامج إلى 222 سجينا، أفرج عن 156 منهم في مقابل تخفيض العقوبة لفائدة 15 آخرين وهو ما شجع سجناء آخرين مدانين في قضايا الإرهاب على الانضمام إلى المبادرة.
ويقوم المسؤولون على البرنامج بتصنيف أولي للسجناء المدانين في قضايا الإرهاب، وفق توجهاتهم الفكرية ودرجة تشددهم.
ويحدد وفق تصريح مدير العمل الثقافي بمندوبية السجون مولاي إدريس أكلمام مَن مِن السجناء يطمحون إلى التغيير ومن ثم يرصد الحاجة إلى مدّ يد المساعدة لهم لتجاوز التناقضات الفكرية والوجدانية التي يعيشونها، و”أزمة الهوية” التي يبحثون عنها التي دفعتهم إلى الالتحاق بالفكر المتطرف. ووقع تغيير جذري لدى هؤلاء السجناء خصوصا في نظرتهم إلى المجتمع وعلى مستوى سلوكهم.
ويتضمن برنامج “مصالحة” تنظيم ورشات عمل تعنى بالقانون ونشر ثقافة حقوق الإنسان، فضلا عن دروس في الاقتصاد الذاتي ومواكبة لاحقة في إطلاق مشاريع ذاتية مدرّة للدخل بعد انتهاء مدة محكوميتهم أو الاستفادة من العفو الملكي.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button