بقلم : عبدالله العبادي
الحالة الراهنة في المجتمع العربي هي جملة قواعد وتصرفات ومواقف، أوجدتها مصالح وظروف معينة وهي في غالب الأحيان ليست خيارات يتخذها الشخص وإنما لعبة يجد نفسه بداخلها دون رغبة في ذلك. هذا الإحساس أنتج في الكثير من الحالات الشاذة أنظمة فوضوية تجيد صرامة التخويف والعنف الممنهج للحفاظ على الصورة التي تحاول تلميعها يوميا بواسطة روتوشات سياسية أو إعلام مدفوع الأجر.
فالإنسان العربي نصفه مظلم بسبب سنوات القمع والتسيب وهذه الفكرة تبين لنا أيضا أن النصف الثاني لا زال يأمل في غد آخر، والديمقراطية والتنوير تراهنان على النصف الآخر الذي لم يتضح بعد. إلا أن العمل على تطوير هذا الجانب المضيء يرفع من مستوى تصرفات معينة إيجابية ويهدم أو يخفض على الأقل من مستوى تصرفاته السلبية المعهودة.
هذا الانتقال يشكل الحلقة المفقودة في واقعنا العربي المعاصر فهو يبلور أفكارا ويطورها وفي نفس الوقت يعمل على قمع أخرى، فالمطلوب تغيير الرؤى والتصرفات والمواقف لدى الإنسان العربي لتلاءم متطلباته وطموحه وهي كلها مؤشرات على طبيعة النظام السياسي الذي يمكن خلقه وبناءه من خلال هته العقليات الجديدة والمتنورة والتي تخلت بشكل نهائي عن رواسب الإستبداد والعشيرة والقبيلة.
فلم تكن الانتخابات في هده الظروف إلا تزييف لإرادة المجتمع كل بضع سنين، ووقاحة لا مثيل لها، خلقت ردود أفعال مختلفة دفع ثمنها الكثير من شرفاء المجتمع العربي، كما أدت إلى ظهور مشاعر عدوانية مكبوتة قابلة للانفجار في أي لحظة وهو ما حدث بالفعل. فقد تغذى الشعب العربي طيلة عقود من نهر الإحباط وظل عاجزا رغم الانتفاضات المحدودة هنا وهناك، فغاب الإعلام النزيه والعدالة الإجتماعية والإخلاص والقيم والمبادئ. وبذلك ظلت الانتخابات ولعقود عملية إعادة إنتاج الإستبداد وفرضه قسرا بمسميات وإعلانات مختلفة.
فالشعب العربي لا يعي أنه يتم الاستخفاف بذكائه أثناء كل عملية سياسية وفي مضمونها هناك استخفاف بحقوقه، ولأنه لا يستطيع فعل شيء أو مقاومة الفكر السائد فهو ينمي ازدراءه لنفسه ونقمته على النخبة السلطوية. وحين تتكرر هده العمليات يدخل الفرد العربي في دوامة من احتقار النفس وهو احتقار يولد عنفا مضادا عرفته بعض المجتمعات طيلة سنوات الإستبداد.
كل هده المآسي التي عاشها العرب جعلت الإنسان العربي يحمل صورة قاتمة عن نفسه وغذتها الكثير من المقارنات مع شعوب صنعت لنفسها مكانة بين الأمم، وكرستها أيضا النرجسية المرضية لكثير من الزعماء الذين استولوا على كل الصفات وجعلوا من أنفسهم رسلا وشخصيات لا يمكن أن تتكرر أبدا زاد هذا المرض خضوع الكثير من الناس لخطاباتهم وبرامجهم الفارغة.
فعنف الدولة الظاهر والباطن ولد العديد من الشعور السلبي الوجودي والمعاناة اليومية للإنسان العربي، ترتبت عنه أمراض نفسية وخيبات أمل وفقدان الثقة في التغيير وأصبح حلم التغيير يصطدم دوما بفكرة أن الأفراد سيتغيرون لكن النظام سيظل هو نفسه.
وحتى الانتفاضات التي سادت المجتمع العربي لم تكن في حد ذاتها ثورات منتجة ومحلية بقدر ما كانت إكراهات مرحلية أملتها التحولات الدولية والإقليمية والحرب الباردة، فالثورة المنتجة تكون نتيجة طلب داخلي مدعوم بالثقة في التغيير الداخلي وبالفكر الجماعي للشعب.
أضف إلى ذلك غياب الحلم الجماعي الذي يصهر مختلف أطياف المجتمع والدولة والأمة في طريق واحد هو طريق الحرية والإنعتاق وإرساء مبادئ العدالة الإجتماعية، وإلا تكون النتيجة كارثية تتمثل في تفشي الشعور بالإحباط الجماعي يؤدي بطريقة مباشرة إلى تكوين ذات جماعية هشة قابلة للاستغلال محليا ودوليا وهو ما شهذته العديد من الأقطار العربية حين حاولت التخلص من الإستبداد فدخلت في متاهات سياسية واجتماعية لا مخرج لها، مما أدى إلى دمار وحروب عدة أعادت الشعوب العربية قرونا إلى الوراء بسبب مؤامرات خارجية وداخلية.