أخبارفي الصميم

سلطة الأجر تحول البشرية عبيدا تفتقد لحرية الفكر

عٓرّٓف الفيلسوف والناقد والمؤرخ “كارل هانريش ماركس” عبودية الأجر هي مشكلة المجتمع الحديث والمواطن البسيط الذي ينتمي إلى الطبقة الكادحة، والذي يجد نفسه تحت رحمة نظام اقتصادي يحتم عليه بيع وقته ومجهوده وعمله مقابل قدر ضئيل من المال يخول له الحصول على أبسط حاجيات العيش الكريم.

مصطفى بوريابة

و يضطر هذا الكائن إلى العمل بجهد أكبر لكي يتسنى له البقاء على قيد الحياة، ويتخلى عن حاجاته البيولوجية كالراحة وقضاء الحاجة والغذاء السليم والمتوازن إن اضطر إلى ذلك، وكل هذا لأجل الحفاظ على ذلك الأجر الزهيد الذي يضمن له أساسيات العيش التي يفترض أنها حقوق مشروعة لكل إنسان على وجه الكرة الأرضية.

فعبودية الاجر إذا تجعل العامل في حاجة ماسة لأن يبقي هاته العلاقة السامة التي تربطه بمستخدميه، لأجل الهدف الأسمى الذي يكمن في البقاء. وينتج عن هذا الارتباط الذي يزداد متانة وقوة مع مرور الوقت انعدام الوعي البروليتاري، وبالتالي عدة معوقات تحول دون قيام ثورة بروليتارية من شأنها أن تقلب ميزان القوى، وتحرر الطبقة العاملة من عبودية الأجر.

إن السبيل نحو التحرر من عبودية القرن ال 21 محفوف بالصعاب والعقبات، فالوعي الشعبي يكاد يكون منعدمًا بفعل التعود، والتطبيع مع الاستغلال، والفقر المدقع، والشركات الكبرى متعددة الجنسيات تستغل رخص اليد العاملة في الدول الفقيرة ، وتتحايل على الأخلاقيات المتعارف عليها لتحقق أكبر قدر ممكن من الربح، والتلاعب السلس بالقوانين.

و يبقى العامل الحلقة الأضعف ويستمر استغلاله وتضليله عن الحقيقة التي لا بد أنيدركها “أن النظام يصب لصالح واضعيه لا غير، وأن عمله وجده لن يجازى بثروة ضخمة تغنيه عن العمل لبقية حياته، وإنما هو وسيلة لإثراء أصحاب الشركات وحماية القوة الاقتصادية التي يكتنزها هؤلاء”.

وبالرغم من تحقيق الوعي البروليتاري في يوم من الايام، إلا أن تدخل الرأسماليين من خلال وسائل إعلامهم لتأخيير هذا الوعي أمر وارد .فالوعي البروليتاري يولد من رحم المعاناة و الواقع المعاش للعمال والظلم والاستغلال الذي يتعرضون له، لكن عددًا كثيرًا منهم يفضلون الوهم الذي يباع لهم بأرخص الأثمنة ويستسلمون لوعود وإغراءات من استعبدوهم، ويقبلون اغترابهم عن طبيعتهم الإنسانية، والتي هي الإبداع والسمو بالذات وبأفكار المرء.

وقد يبدو للمتمعِن في التفكير أن هاته الأفكار التي يجري وصفها بالراديكالية في عصر النيوليبرالية تمثل أساس العيش بكرامة، والارتقاء لدرجة الإنسان، والكائن العقلاني الحر، الذي ينبغي لنا أن نطمح لنكونه، خاصة في مجتمعنا العربي الإسلامي، ولكن تاريخًا من التفوق الغربي والإمبريالية التي صاحبها تلقين صارم لمبادئ الرأسمالية من جانب المستعمر، وعقدة النقص التي تبنيناها تمنعنا من أن نبلغ الحرية الاجتماعية والاقتصادية التي نستحق لكوننا بشرًا أولًا وقبل كل شيء.

لهذا ينبغي علينا أن نترك الكسل الفكري، وأن ننفتح على التاريخ، ونرفض أن يتحكم في مصيرنا كل من لا شأن له به، فلا الاتحاد الأروربي، ولا دول الناتو تملك الحق في تقرير مسارنا، وفرض نظام اقتصادي مستهلك، ومرتكز على الربح المادي علينا، فقد ولى زمن الخضوع للإمبريالية، وللنظام الكولونيالي، وبات المفكر العربي قادرًا على رصد السم المدسوس في بيانات ماسموه بحقوق الإنسان، والعقوبات الاقتصادية، التي ليست سوى حرب بطيئة الوتيرة، قد شنتها دول الغرب على كل الجهات والقوى التي تتجرأ وتقاوم الهيمنة الغربية.

إن هذه المقاومة للقوى الإستعمارية والتفوق الغربي ترتبط ارتباطا وثيقا بنضال العمال في العالم بأسره، فالرأسمالية هي التي مهدت الطريق للعهد الكولونيالي الذي عانت خلاله الحضارات غير الغربية الأمرين، وهي التي تواصل استخدام النيوليبرالية في حربها ضد عمال العصر الحديث وفي حمايتها لسلطة النخبة التي تشكل نسبة 1٪ عبر العالم.

ويستحيل حصر النضال لأجل امتلاك العمال لوسائل الإنتاج في منطقة معينة في العالم وإقصاء العمال في غيرها من المناطق، لأن النضال البروليتاري هو نضال عالمي، ونضال لأجل الإنسانية، ولأجل الطبيعة.

ويرى ماركس بأن المجتمعات البشرية تتطوّر من خلال الصراع الطبقي ضمن نمط الإنتاج الرأسمالي، وهذا الصراع يتجلّى بين الطبقات البرجوازية الحاكمة والمالكة لوسائل الإنتاج من جهة والطبقات العاملة المعروفة باسم البروليتاريا وهي الطبقات التي تبيع قوّة عملها من خلال عائد الأجور وتمكين وسائل الإنتاج.

واستخدم ماركس منهج المادية التاريخية النقدي ليتنبأ بأن الرأسمالية ستُنتج توترات داخلية في النظم الاجتماعية والاقتصادية ما سيؤدي لتدميرها ذاتياً واستبدالها بنظام يُعرف بنمط الانتاج الاشتراكي، حيث رآى أنّها تفرز أزمات نتيجة عدم استقرارها الجزئي وهذا من شأنهِ أنّ يؤدي لوصول الطبقة العاملة لمرحلة الوعي الطبقي ما يدفعها للاستلاء على السلطة السياسية وإنشاء المجتمع الشيوعي في نهاية المطاف وهو مجتمع لا طبقي مكوّنٌ من الارتباط الحر بين المنتجين.

كما ناضل ماركس من أجل تنفيذ مبادئه بحجة أنّ الطبقة العاملة يجب أن تقوم بعمل ثوري لإسقاط الرأسمالية وتحقيق التحرر الاجتماعي والاقتصادي.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button