معاناة الديمقراطية مع السياسة الشعبوية
لقد أصبح الأن التركيز منصبًا بعد حرب أوكرانيا على الرؤية الروسية مقابل الرؤية الأوروبية “الديمقراطية” في دول أوروبا الشرقية، عوضًا عن التركيز على الجدل بشأن الفساد الداخلي.
فهناك تاريخًا طويلًا في السياسة الحزبية في أوروبا الشرقية للتعهدات باجتثاث الفساد. ولكن أبحاث العلوم السياسية تشير إلى أن كثيرًا من التركيز على الفساد السياسي ربما أضعف الأحزاب، وقلَّل الثقة في المؤسسات الديمقراطية، وساعد بدوره في تأجيج الشعبوية في ديمقراطيات أوروبا الشرقية.
و يبدو أن الحرب الروسية في أوكرانيا باتت الآن مصدر إلهام لنقاش حول القيم الأوروبية مقابل القيم الروسية العالمية، وهو ما من شأنه أن يعزز الأحزاب والسياسيين الذين يقترحون سياسات تدعمها القيم. ويمكن أن يؤدي هذا التحول إلى تنشيط الديمقراطية.
وكان الفساد السياسي في صميم سياسة أوروبا الشرقية منذ أواخر تسعينات القرن الماضي، عندما أنتج الانتقال الفوضوي إلى اقتصاد السوق قلة قوية سياسيًّا.
وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ضاق ناخبو أوروبا الشرقية ذرعًا بشاغلي المناصب، وبدأوا في التصويت لأحزاب الوافدين الجدد غير التقليدية، والتي غالبًا ما خيبت آمالهم سريعًا. ورأت المنظمات الدولية وعديد من الناخبين أن سياسات مكافحة الفساد ذات أهمية حاسمة لتعزيز سيادة القانون وتحسين الحكم الرشيد والأداء الاقتصادي.
كما تشير مجموعة متزايدة من أبحاث العلوم السياسية أن التركيز على الفساد السياسي وسياسات مكافحة الفساد كان له آثار غير مقصودة، ذلك أن حملات مكافحة الفساد الرئيسة قد تهدف إلى تطهير السياسة، لكن الأبحاث حول مثل هذه الحملات في أوروبا الغربية، والشرقية، والصين، وأمريكا اللاتينية، تظهر أنها تنتهي أيضًا إلى زيادة التهكم على الحالة السياسية، وتعزيز التصور بأن السياسة فاسدة حتى النخاع.
وتزيد الحملات القضائية لمكافحة الفساد التي تُفضي إلى سجن السياسيين بتهم الفساد على سبيل المثال إلى تحولات في الانتماءات الحزبية، والتقلبات الانتخابية، وكلاهما يزعزع استقرار الأنظمة الحزبية، لافتين إلى أنهما وجدا في ورقة بحثية حديثة أنه عندما يكون الفساد هو القضية الأكثر بروزًا في الخطاب السياسي، فإن المخزون الإجمالي لنظريات المؤامرة يزداد. ويبدأ بعض الناخبين المطلعين جيدًا على المؤامرات الحقيقية التي غالبًا ما يُكشَف عنها في تحقيقات الفساد السياسي في تبني روايات تآمرية أخرى لا أساس لها من الصحة.
ويتلاشى عندئذ الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال. ثم يوجِّه المنافسون السياسيون اتهامات مؤامرة “الدولة العميقة” لبعضهم بعضًا، ومن ثم يُقوِّض الخطاب السياسي المليء بنظريات المؤامرة المنافسة الديمقراطية، ويوفر فرصة لصعود السياسيين الشعبويين.
لذلك تعاني الديمقراطية عندما تكون المعركة السياسية الأساسية حول الفساد، وتحمل دول أوروبا الشرقية ندوب هذه المعركة، فقد أثر السياسيون الشعبويون، والتراجع الديمقراطي، وانخفاض الثقة في المؤسسات على العديد من هذه الديمقراطيات الجديدة.