بقلم: عبدالله العبادي
يرى غرامشي : إن الخلط بين الدولة الطبقية والمجتمع المنظم، سمة مميزة للطبقات الوسطى وصغار المثقفين، الدين يفرحون بأي إجراء تنظيمي يمنع الصراعات الحادة والإظطرابات. إنه نموذج للرؤية الرجعية والماضوية.
طالما ان الدولة الطبقية قائمة لا يمكن تحقيق مجتمع منظم بالمفهوم الغرامشي، لان الدولة الطبقية تعيد إنتاج ذاتها في الزمان. فالمساواة الاقتصادية في نموذج المجتمع المنظم هي أساس البناء والإصلاح المنشود. لذلك لا يمكن تحقيق نظام سياسي متكامل بدون تحقيق مساواة اقتصادية بين أفراد المجتمع، دون إقصاء أفراد أو جماعات وتركهم يعيشون على هامش المجتمع.
يرى ابن خلدون في مقدمته بضرورة وجود الحاكم الذي يستحيل بقاء التجمعات البشرية بدونه لتجنب حدوث الفوضى. فالعلاقة بين الحاكم والمحكومين هي علاقة معايشة وتعاون بين الطرفين من أجل تطوير المجتمع والحفاظ عليه. وبما أن المجتمع يتكون من أفراد وجماعات متعددة فقد كان لا بد من وجود صلة وصل بين السلطة السياسية والعامة تلك الفئة من الوسطاء هي جماعة المثقفين وهم من يمثلون السلطة الثقافية التي تمثل مرجعية المجتمع في التعامل مع ظواهر الحياة وجوانبها المختلفة.
فالمثقف كان على الدوام صلة الوصل بين النظام السياسي والمجتمع العام أي العلاقة بين السياسي والثقافي، هذا المثقف الذي يتحمل مسؤولية إيصال كلمة العامة للسلطة السياسية. كما يلعب دورا مؤثرا في عملية انتقال السلطة وممارستها من خلال مؤسسات سياسية وثقافية.
فالفرد يعيش في وسط يؤثر فيه ويتأثر به. ولمعالجة مشاكله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كان لازما فهم هذا الوسط وتصحيحه وإلا فإن أي محاولة تأتي من الخارج لن تتمكن على الإطلاق من إنقاذ الوضع وتحسين ظروفه المعيشية والنفسية، وهدا ما يفترض أن يقوم به المثقف داخل مجتمعه.
لقد ساهمت السلطات السياسية العربية في تأزم الوضع الداخلي فكانت السبب في التغريب الذي يعانيه الإنسان العربي من خلال تبني أنظمة غريبة كانت النتيجة أن هدا المجتمعات تناست خصوصياتها وتنازلت عن كثير من مقومات هويتها فخسرت نفسها ولكنها لم تجد ضالتها في المشاريع الغريبة عنها. وكدا من خلال الدفاع عن مجموعة من المثقفين كانوا الممثلين الفاشلين لهذه الأنظمة.
وإذا أردنا إخراج الإنسان مما هو فيه من ضياع فإن علينا أن نعيد بناء الإنسان العربي من جديد من خلال توفير الوسط الملائم والظروف الضرورية التي تمكنه من استعادة الثقة بنفسه من خلال استيعابه لحاله ولوضعه وهويته.
فالهوية شرط من شروط وجود الإنسان وهي جزء من ثقافته، والثقافة تبقى أحد أهم الأسباب التي تحفظ تماسك المجتمع وتحصينه من عوامل التفتت والانحلال. وبالثقافة يتحول الكائن البشري الى كائن اجتماعي، فأحد أهم سمات الكائن البشري كونه اجتماعيا أي أنه يندمج في ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه.
لا يمكن إدراك الدور الذي تلعبه الثقافة في حياة الناس إلا عندما تتعرض هذه الثقافة وآلياتها إلى الانحطاط إما بفعل انتهاج سياسة مقصودة أو مؤامرات خارجية أوفي بعض الأحيان على أيدي نخب محسوبة على الثقافة باسم العلم والتقدم والحداثة تارة وباسم الاعتقادات الموروثة تارة أخرى.
الملاحظ للواقع الاجتماعي العربي الراهن يدرك بوضوح ما تعانيه المجتمعات والأفراد من تراجع وتدهور في جميع المجالات السياسة ،الاقتصاد ، الثقافية والاجتماعية. دون أن ننسى حالة الانحطاط النفسي الذي يعانيه الفرد العربي.
لا يمكن أن نفسر الوضع الراهن إلا بالنظر في الحالة التي يعيشها الفرد العربي على المستوى الشخصي أو الجماعاتي، فالإنسان هو مصدر الحياة وهو هدفها، وعندما يكون الواقع سيئاً فالفرد يعيش في وضع سيء، الفرد الذي يفقد هويته ومكونات ثقافته لا يمكنه أن يبدع على الإطلاق. والفرد العربي تُمارس عليه ضغوطات متعددة ليبتعد عن هويته و أن لا يفكر في راهنيته أو مستقبله بل ينشغل فقط بقوته وشرابه وخصوصا أمنه الفردي.
وهدا دور المثقف للخروج بحلول ثقافية تمهد الطريق لحلول سياسية تعيد التوازن لمجتمع منهك.