تصنيع السيارات في إفريقيا السوق الواعد لمنافسة شرق أوروبا
أضحى المغرب مركزا واعدا وناشئا لصناعة السيارات فيما تحظى جنوب إفريقيا بتاريخ حافل في مجال صناعة السيارات. ولم يقتصر الأمر على المغرب وجنوب إفريقيا، إذ أنشأت كبرى شركات السيارات في العالم مصانع وخطوط إنتاج لها في دول إفريقية أخرى مثل أنغولا وإثيوبيا وغانا وكينيا وناميبيا ونيجيريا ورواندا. وفي الوقت نفسه، بدأت الشركات الإفريقية في الاستفادة من هذا النشاط في قطاع تصنيع السيارات محليا خاصة وأن إفريقيا تمتلك مقومات واعدة في هذا المجال.
وتعداد سكان إفريقيا أكثر من مليار شخص ليشكل ذلك نسبة 17 بالمائة من سكان العالم، ورغم هذه الثروة السكانية الكبيرة لا تزال إفريقيا تمثل واحد بالمائة فقط من حجم السيارات المباعة في جميع أنحاء العالم مقارنة بنسبة تتجاوز 30 بالمائة في الصين و 22 بالمائة في أوروبا و 17 بالمائة في أمريكا الشمالية، وفقا لبيانات المنظمة الدولية لمصنعي السيارات التي تعرف اختصارا بـ “OICA”.
وقالت شركة “ماكينزي” الرائدة في مجال الاستشارات التجارية أن معدل امتلاك السيارات في إفريقيا يبلغ في المتوسط 44 سيارة لكل ألف شخص مقارنة بمعدل عالمي يتراوح ما بين 180 و 800 خاصة في الولايات المتحدة.
المغرب وجنوب إفريقيا يتصدران تصنيع السيارات
تفوق المغرب في المنافسة الإفريقية في مجال صناعة السيارات، في عام 2018 على جنوب إفريقيا ليصبح أكبر مصدر أفريقي لسيارات الركاب بحجم صادرات تجاوز قيمته 10 مليارات دولار (8.5 مليار يورو) خلال عام 2019. ويصدر إنتاج المغرب وجنوب إفريقيا بشكل أساسي إلى الأسواق الخارجية، لكن لدى البلدين أيضا أسواقا محلية كبيرة نسبيا.
وتعتبر عملاقة صناعة السيارات في ألمانيا “فولكس فاغن” و “دايملر” التي تنتج سيارات مرسيدس و”بي.إم.دبليو”، من بين أكبر شركات السيارات في إفريقيا إذ يشكلان نسبة 90 بالمائة من جميع سيارات الركاب المنتجة وثلث السيارات المباعة في جنوب إفريقيا خلال عام 2019.
ويتم بالمغرب، بيع 80 بالمائة من حجم السيارات المصنعة البالغ عددها قرابة 400 ألف سيارة سنويا، في أوروبا إذ تعد فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا الوجهات الرئيسية.
ويشتري محليا المغاربة 160 ألف سيارة جديدة سنويا وهو ما يعد رقما ضعيفا مقارنة بحجم سكان يبلغ 36 مليون نسمة.
ويشتغل في قطاع تصنيع السيارات في المغرب بشكل مباشر 220 ألف شخص يعمل معظمهم لدى موردين يبلغ عددهم 250.
وأعلنت شهر شتنبر من العام الماضي شركة “ستيلانتس” – التي تأسست في يناير عام 2021 بعد اندماج بين شركة ” PSA ” المالكة لشركة بيجو الفرنسية وشركة “فيات كرايسلر” المنتجة لعلامات من فئات مثل فورد و ألفا روميو، عن أن سيارتها الكهربائية Rocks-e الصغيرة سيتم إنتاجها في مصنع PSA في مدينة القنيطرة بقدرة إنتاجية تتجاوز 200 ألف سيارة سنويا.
وستزيد “ستيلانتس” التي تعد أكبر رابع شركة لصناعة السيارات في العالم، إنفاقها على إنتاج قطع الغيار المصنوعة في المغرب من 600 مليون يورو إلى 3 مليار يورو بحلول عام 2025.
ودخلت بعد “ستيلانتس”، شركة “بي واي دي” الصينية في السوق المغربي بعد أن أبرمت مذكرة تفاهم مع الحكومة المغربية لإنشاء مصنع في القنيطرة فيما تدرس شركة “هيونداي” الكورية نقل نشاطها من الجزائر إلى المغرب.
وشرعت شركة “تسلا” الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية في تصنيع جهاز الإرسال الرئيسي لسياراتها في المغرب.
دور مهم للتقارب الجغرافي
ويرجع النجاح في استقطاب المغرب لكبرى شركات السيارات في العالم إلى القرب من الأسواق الأوروبية وأيضا لاتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمتها الحكومات المغربية مع أوروبا والولايات المتحدة وتركيا والإمارات ودول أخرى.
وقال “جو ستادويل” من معهد “التنمية لما وراء البحار” في كامبريدج أن “رونو وبيجو أنشأتا مصانع في طنجة ومدن مغربية أخرى بعد أن أبرمت صفقات جيدة خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية وتسهيلات جمركية للبدء في الاستثمار في المغرب البلد الذي يقع على مسافة قريبة جدا من أوروبا قد لا تتجاوز المسافة التي قد تقطعها عبارة”. وأضاف “هذا الأمر قد لا يصلح في إفريقيا جنوب الصحراء إذ يتعلق الأمر برمته بالأسواق المحلية”.
ويدخل في الحسبان القضايا المتعلقة بالموردين والموظفين والإمدادات فعلى سبيل المثال يعد الموردون المحليون مصدر تصنيع مكونات مقاعد السيارات إذ يصل نسبة المكون المحلي إلى 60 بالمائة من حجم المنتج النهائي لسيارات رونو. كما أن تكاليف العمالة قد لا تتجاوز ربع التكاليف في إسبانيا وأقل من بلدان شرق أوروبا.
انضمام بلدان إفريقية
كانت من المتوقع أن تصبح مصر المركز الرائد التالي في تصنيع السيارات في المنطقة، قبل توجه شركة “أوبل” إلى المغرب.
ووقعت شركة “دونغ فنغ” الصينية لصناعة السيارات في يناير عام 2021 اتفاقية إطار مع شركة “النصر للسيارات” المملوكة للحكومة المصرية والتي تعاني من مشاكل مالية ضخمة من أجل تصنيع سيارات كهربائية بشكل مشترك في مصر.
وتوجد كذلك مصانع صغيرة الحجم في كينيا ورواندا حيث تختبر شركة “فولكس فاغن” التنقل الإلكتروني فيما تخطط شركات أوروبية إلى إنشاء خطوط إنتاج لها في إثيوبيا ونيجيريا وغانا.
وترغب غانا في الحد من استيراد السيارات المستعملة والمتهالكة إذ قدمت إعفاءات ضريبية تصل إلى عشرة أعوام لمنتجي السيارات.
وافتتحت “فولكس فاغن” أول مصنع تجميع لها في غانا في غشت 2020، إذ يتم تجميع خمسة آلاف سيارة في هذا المصنع سنويا بما يشمل سيارات من فئات “تيغوان” و”باسات” و”بولو”. وشجع هذا الأمر، شركة “نيسان” لإنشاء مصنع تجميع في غانا.
وتستثمر كبرى شركات صناعة السيارات العالمية أموالا في مصانع تجميع السيارات في نيجيريا وكينيا ورواندا وغانا بدلا من إنشاء وحدات إنتاج كاملة.
وتقوم في كينيا على سبيل المثال شركة “AVA” المحلية بتجميع السيارات التجارية المتوسطة والثقيلة لصالح شركات مثل “ميتسوبيشي” و”فوزو” و”سكانيا” و”تويوتا” و”هينو” و”تاتا”.
صناعة السيارات في شركات إفريقية
يضاف إلى كل هذا النجاح الإفريقي في جذب كبرى شركات السيارات في العالم لإنشاء مصانع في البلدان الإفريقية، نجاح آخر يتمثل في إنتاج سيارات محلية مع العديد من الشركات الناشئة.
تأسست في تونس شركة “واليس كار” عام 2006 التي تنتج 350 سيارة رياضية متعددة الأغراض سنويا.
وذكرت “واليس كار” أنها تخطط للكشف عن خمسة موديلات جديدة في غضون الأعوام الخمسة المقبلة فضلا عن طرح أربعة آلاف سيارة سنويا بحلول عام 2025.
وقالت مسؤولة في الشركة أن “تونس تعاني من مشاكل تتعلق بالبنية التحتية اللوجستية والتشريعات، لذا فإن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن تتمكن الدولة من حل المشاكل المرتبطة بالتشريعات والبنى التحتية.
العودة إلى أوروبا
وأشار “روبرت كابيل” من جامعة لايبزيغ الألمانية،أنه رغم هذا النجاح، إلا أن بعض شركات السيارات العالمية قد تعود إلى أوروبا. وذكر أن ذلك “بسبب ارتفاع الأجور والأتمتة فمن المنطقي بشكل متزايد إعادة بعض الصناعات التحويلية إلى أوروبا. قد يجعل هذا من الصعب على البلدان الإفريقية تحقيق تقدم حقيقي في إنتاج السيارات”، وقال أن ذلك بسبب “الأسواق في هذه الدول لا تزال صغيرة جدا بالنسبة لشركات صناعة السيارات الأجنبية والمحلية فضلا عن أن الموردين في حاجة إلى كميات كبيرة لجعل الإنتاج مجديا من الناحية المادية”.
واستثنى كابيل من ذلك المغرب بسبب القرب من بلدان الإتحاد الأوروبي وربما مصر التي قد تستفيد من هذا التوجه. وقال كابيل رغم ذلك أن المستقبل قد يحمل بعض التغيرات، مضيفا “في غضون الثماني إلى العشرة أعوام القادمة، قد يحدث تغيرا كبيرا في القارة الإفريقية خاصة فيما يتعلق بسوق إنتاج السيارات الذي يتوقع أن يزداد حجمه خاصة مع تزايد التعداد السكان في المدن التي بها نسب عالية من أبناء الطبقات المتوسطة. وأشار في ذلك إلى غانا التي ترغب أن تكون “مركزا هاما في صناعة السيارات في غرب إفريقيا”، مضيفا أن الحكومة في غانا “جعلت مجال تجميع السيارات صناعة استراتيجية من أجل دفع عجلة التصنيع وخلق وظائف جديدة”.
حذر من شرق أوروبا
يظهر أن نجاح البلدان الإفريقية في هذا المجال قد يمثل قلقا لبلدان شرق أوروبا، وفقا لما أشار إليه “جورج ليوتير” المسؤول في مجال صناعة السيارات والفضاء في الإتحاد الدولي للصناعات. وقال لقد انتقلت بعض خطوط الإنتاج خاصة فيما يتعلق بالأسلاك والمكونات اليدوية من بلدان أوروبا الشرقية.
وقال أن بعض بلدان شرق أوروبا لا تزال تحظى بأفضلية، مضيفا “التشيك وسلوفاكيا وبولندا لا تعاني من مشاكل حقيقية إذ يمتلكون عمالة ماهرة جدا فضلا عن أن التكاليف لا تزال منخفضة كذلك القرب من الشركات الألمانية والأوروبية لا يزال ميزة”.
وقال أن بعض بلدان شرق أوروبا قد تواجه مشكلة حقيقية، موضحا ذلك “رومانيا وبلغاريا ودول البلقان قد تكون أقل استقرارا فيما يتعلق بالقوى العاملة مقارنة ببلدان شمال إفريقيا فضلا عن أن معدل استبدال العمال في هذه الدول لا يزال مرتفعا بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية.”
لماذا لم يذكر اسم الجزائر اطلاقا رغم ان هناك مصانع مثل مصنع رينو و فوليفاقن و هيونداي و كيا و نيسان و لكن بعدما طلعت ان موقع مغربي فهمت حقد و حساسية