أخبارفي الصميم

عندما تأكل الديمقراطية نفسها

تُعرف الديمقراطية اصطلاحا بنظام الحكم، فتكون السلطات العليا في يد الشعب، الذي يتمكن من ممارسة سلطته بالشكل المباشر، أو بواسطة بعض الأفراد بعد اختيارهم بالانتخاب الحر ليُمثلو الشعب.

بقلم: مصطفى بوريابة

فالديمقراطية لا تمنح السلطات الكاملة في يد فرد واحد بشكل مُركز، أو بيد مجموعة من الأفراد مثل الحكم الدكتاتوري أو ما يُعرف “بالأوليغارشية” ( حكم الأقلية )،و يتغير تعريف الديمقراطية بتغير المكان والزمان وظروف تطبيقه، وتم إعطاء عدة تعريفات لمفهوم الديمقراطية ، حيث يرى جيم كيلكولين أن الديمقراطية هو حكم الشعوب لنفسها، وأنها مناقضة لحكم الأقلية، و اشترط على المدينة التي تتسم بالديمقراطية أن يتوفر فيها القواعد التالية:

– أن تخضع المدينة بكافة شؤونها إلى مجلس النواب.

– أن ينتمي أي مواطن ذكر إليها.

– عملية اتخاذ أي قرار يخص الدولة تكون مبنية على الاستفتاء من قبل الشعب.

بينما أندرو هيوود قال أن الديمقراطية تمتلك أشكال عديدة، وقام بتعريفها على أنها التشارك الفعال بين الشعب وحكومته، والتعاون فيما بينهم لتحقيق المصالح العامة للبلد، لكن الدكتور جون هيرست أوضح أن الديمقراطية هي أن يتمتع المجتمع بالسيادة الكاملة، ونجد جوزيف شومبتر أشار إلى أن الديمقراطية عبارة عن نظم مؤسسية تهدف لتمكين المواطنين من اتخاذ قرارات بلدهم المتعلقة بالشأن السياسي عن طريق الاستفتاء أو ما يُعرف بالتصويت.

إذا كانت الديمقراطية هي احتواء للمطالب الثورية، فإنّ الشعبوية بالمقابل يمكنُ تأويلها على أنّها ثأر لتلك الرغبات، و مع تراجع نسب المشاركة بالانتخابات وانعدام الثقة بالسلطات المنتخبة، وتصاعد وتيرة المطالبة بتعميق الديمقراطية بمعنى تعزيز المشاركة الشعبية.

و يناقش كتاب”الشعب يريد حين تأكل الديمقراطية نفسها” الصادر مؤخّراً عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” مسألة يمكن تسميتها بـ “دمقرطة الديمقراطية”، ويعرض للأساليب الإجرائية المتخذة في سبيل ذلك مثل: “الانتخابات الأولية في داخل الأحزاب، واعتماد النسبية في الأنظمة الانتخابية، والاستفتاء، والمبادرات الشعبية في التشريع، وسحب الوكالة النيابية”. مع ذلك فإنّ النتائج لم تكن بالإيجابية، إن لم نقُل إنّها قد ولّدت مشاكل مقابلة.

فعلى مستوى اقتسام السلطات تبرز إشكالية إن كان الرئيس يعبّر عن عموم الشعب، أم عن ناخبيه فقط، فإذا كانت الدولة، بوصفها تعبيراً عن مختلف عناصر الشعب، تتطلّب قمّة جامعة، فالأفضل ألّا تكون منتخبة وأن تكون صلاحياتها رمزية.

كذلك الأمر لو نظرنا إلى المسألة في ظل غياب المَلكية الوراثية ف أغلب دول العالم ، حيث يمكن التأليف بين الرمزية الجامعة من جهة، والانتخاب من جهة أخرى. عليه، فإنّ صاحب السلطة يحتاج إلى الحسم، وكثيراً ما تكون قراراته لصالح طرف دون الآخر، بمعنى أنّ الرئيس غير مؤهّل لتمثيل التنوع كاملاً في المجتمع.

بالانتقال إلى مستوى آخر وهو سيادة الشعب، يُحاجج الكتاب في كتاب “الشعب يريد” في عدّة نماذج عن الحكم، فبريطانيا هي المرجعية الكبرى لمبدأ الديمقراطية التمثيلية، فإن ألمانيا بالمقابل هي المصدر الأكبر لقواعد المنافسة السياسية، بحكم أنّها تجمع بين مزايا الأنظمة الانتخابية النسبية، والأنظمة الأغلبية.

وعن تشكُل الديمقراطية مع الطبقة الوسطى في المجتمع، يذهب الباحث إلى اعتبار هذه الطبقة الدعامة التاريخية للديمقراطيات، لكن بحكم الطابع العولمي المهيمن على العالم اليوم فإنّ اختلالاً قد حدث لا بين رؤوس الأموال الكبرى وباقي الفئات الاجتماعية فقط، بل بينها وبين الدول، وهذه هي المعادلة الصفرية التي تفرضها العولمة، حيث تضطرّ الدول لاسترضاء القوى الاستثمارية الكبرى وسوى ذلك تعرّض اقتصادها إلى الخطر.

في هذه السياقات العالمية إذن تجري عمليات “الدمقرطة” الأمر الذي يدفع أكثر صوب الشعبوية، والابتعاد عن الوسط وتفكيك الأحزاب القوية لصالح مشهديات صغيرة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button