في مغرب اليوم، هناك تغييرات عديدة حصلت على المستوى السياسي و المجتمعي و الثقافي، واتحاد كتاب المغرب ربما لم يتماشى مع هذه التغيرات الكبرى، إذ أن الأزمة التي يعيشها الاتحاد في السنين الأخيرة تتجاوز البعد التنظيمي. فبعد أن كان قلعة لرواد الفكر والثقافة ومدافعا عن قضايا الإبداع والتعبير ومنبرا للدفاع عن القيم، فقد الكثير من بريقه وحتى اهتمامه بالقضايا النقابية لم تعد بالجدة والحدة التي كان يتعاطى بها سابقا نفس الشيء مع باقي القضايا والاهتمامات الوطنية الأخرى.
فهل اختلفت العقليات الجديدة الملتحقة بالاتحاد مع العقليات القديمة، هل يمكن اعتباره اصطدام بين الأجيال المثقفة، أم ضعف التواصل الداخلي وغياب العمل الديمقراطي بين أجهزة الاتحاد أدى إلى خلق فجوة فراغ داخل المؤسسة، أم هي نهاية لمنظمة لم تتجدد بالشكل الكافي لتواكب التحولات الجارية؟
الاتحاد مؤسسة ثقافية فكرية مجتمعية عريقة، لها تاريخها النضالي الطويل، همها العمل التنويري للمجتمع والدفاع عن قضاياه الثقافية، إنه المكان الأصح الذي يجب أن يختلف فيه النقاد، ويتجادل فيه المثقفون أمورا كثيرة، ويتفاعل فيه كل المهتمين بالشأن الثقافي حرصا على مصلحة المجتمع والوطن، لهذه الغايات والأهداف، فهو مطالب، اليوم، بتجاوز كبوته وإلا سيكون مصيره النسيان وربما انبثاق مؤسسة فكرية وثقافية جديدة بدماء جديدة وأفكار جديدة.
للاتحاد فرصة اليوم للنهوض من جديد، إذا ما دعت اللجنة التحضيرية المنبثقة عن مؤتمر طنجة، إلى مؤتمر استثنائي يحضره كل الفاعلين في الحقل الثقافي المغربي بدون استثناء أو إقصاء (العضوية ليست شرطا)، وتشكيل لجنة لصياغة قوانين جديدة بعيدة عن الحسابات الشخصية القديمة والتحالفات التي خلفتها المؤتمرات السابقة التي فشلت في لم الشمل الفكري. اللجنة التي تتولى أيضا رسم استراتيجية جديدة لاتحاد كتاب شامل يأخذ بعين الاعتبار الموجات الثقافية في مجتمع متحول، ومن تم انتخاب رئيس ومكتب تنفيذي جديد.
كما يجب على الاتحاد، أن يعيد صياغة قوانين الانخراط ليفسح المجال أمام المبدعين الشباب من كتاب ومثقفين وصحفيين وباحثين للانضمام، ليس شرطا توفر الكاتب على إصدارين، هناك العديد من الصحفيين والمثقفين والباحثين والفنانين لم يصدروا أي كتاب، لكن أبحاثهم ومقالاتهم وإسهاماتهم الفكرية والثقافية غنية جدا وتساهم في إحداث تغييرات مجتمعية مهمة.
فالاتحاد، يجب أن يفتح في وجه كل الحاملين للهم الثقافي وللهم المجتمعي، من اجل التعاون والعمل على إثراء المشهد الثقافي وتطوير الفكر والمساهمة في الإبداع والإنتاج.
ما يعيشه الاتحاد اليوم، هو أزمة تدبير وليس أزمة مشروع، لأن المشروع له تاريخه، إلا أن سوء التدبير جعل منه مؤخرا مشروعا فاشلا، وعاجزا عن أداء وظائفه بالشكل المطلوب تحقيقا للهدف الذي وجد من اجله.
اتحاد كتاب المغرب، اليوم، يتحمل مسؤولية تنوير المجتمع والطريق الذي يجب أن يسلكه من أجل مستقبل أفضل، فالكاتب في مجتمعنا العربي عموما، قيمته يحددها المستوى الفكري للجماعة والوعي الجماعي، فمجتمعنا العربي مجتمع غير قارئ، لا يهتم بالإبداع ولا بالإنتاج الفكري والثقافي، لذا على نخبة المثقفين العودة إلى الميدان وإيجاد الحلول التي تنير طريق العامة نحو تحسين ظروفهم الحياتية وتخليق الحياة السياسية.
ونضال اتحاد كتاب المغرب، في الظرفية الحالية، يجب أن يكون نضالا وطنيا، مسؤولا وديمقراطيا، بعيدا عن كل الحسابات الضيقة، وبكل موضوعية، وضمن استراتيجية متكاملة ووازنة بين مختلف الفاعلين في الحقل الثقافي والفكري، لحل التناقضات الكامنة بين أنصار التفاهة السائدة وقوى التغيير الوطني الحقيقي الساعية نحو بناء مجتمع ديمقراطي حداثي قوي.