إلتزام قضائي باحترام وتعزيز حرية الرأي والتعبير
جدد المغرب إلتزام مؤسساته القضائية باحترام حرية الرأي والتعبير. وأتى ذلك في كلمة لمحمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في المؤتمر الإقليمي الأول للقضاة في المنطقة العربية، المنظم بالشراكة مع منظمة اليونسكو حول “حوار القضاة…دور القضاء في تعزيز حرية التعبير بالمنطقة العربية”، وحضرها سفراء وممثلو السلك الدبلوماسي للدول الصديقة والشقيقة إلى جانب القضاة والإعلاميين والصحافيين، ومشاركة قضاة من مصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا والمغرب وموريتانيا وفلسطين وتونس والسودان واليمن. لتعزيز حرية التعبير وسلامة الصحفيين ضمن المعايير الدولية وإطار سيادة القانون، امتداد للمبادرة العالمية التي شارك فيها أكثر من 23 ألف قاضي وقاضية من خلال العشرة أعوام الماضية. وقعت اليونيسكو مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب “خطاب النوايا” لتعزيز دور القضاء في حماية الصحفيين وحرية التعبير والإعلام، في حفل افتتاح المؤتمر.
مكانة متميزة بين الحقوق والحريات الأساسية
وذكر ذ.عبد النباوي على أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أولت حرية الرأي والتعبير مكانة متميزة بين الحقوق والحريات الأساسية المخولة للأفراد والجماعات داخل المجتمعات.
وأكد في هذا الصدد على أن المملكة المغربية عملت على دسترة هذه الحريات، إذ نص الفصل 19 من الدستور على تمتع الرجال والنساء على قدم المساواة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في الدستور، وفي الإتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
وأشار الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى أن حرية الصحافة اليوم، تُعد أهم صور حرية التعبير ومؤشرها الأساسي، ويتم تصنيفها كسلطة رابعة.
ولفت إلى أن النقاش المجتمعي والقانوني والحقوقي ينصرف إلى تحقيق الملاءمة بين حرية الصحافة والرأي والتعبير من جهة، وبين الحقوق الأساسية المخولة للأفراد وللمجتمع بمقتضى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والدساتير المتقدمة، ومن بينها دستور المملكة، من جهة أخرى.
وذكر المسؤول القضائي أنه “إذا كان من حق الأفراد أن يعبروا عن آرائهم بحرية وبمختلف أشكال التعبير الشفوية أو الكتابية أو غيرها، فإن هذا الحق مقيد بمقتضى المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بواجبات ومسؤوليات خاصة يضعها القانون متى كانت ضرورية لحماية حقوق أو سمعة الأشخاص الآخرين، أو لحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة أو الأخلاق العامين”.
القضاء مدعو لحماية الصِّحافة والمحافظة على حريتها
وقال المسؤول القضائي وفي هذا الصدد: إذا كانت حرية الصحافة قد أقرها الدستور ومنع كل مراقبة قبلية على مضمونها، فإن تنظيم ممارستها بواسطة القانون يستهدف حماية حقوق وحريات الأفراد، والنظام العام بتجلياته الثلاثة المتعلقة بالأمن العام والأخلاق العامة والصحة العامة.
وأشار ذ.عبد النباوي أن “مهنة الصحافة هي نشر الأخبار بعد التحري عن صحتها بطريقة مهنية، وزيادة في التأكيد على ذلك، عهد القانون لمدير النشر تحت مسؤوليته الشخصية بالتحقق من صحة الأخبار والتعاليق أو الصور وغيرها قبل نشرها”.
وتعتبر بذلك الصحافة مهنة نبيلة، باعتمادها في نقل الأخبار ونشرها على تحريات وصفها القانون بالمهنية، أي بالجدية والاحترافية، التي تتلافى نشر الإشاعات والأخبار غير المحققة، ولذلك يعاقب القانون على القذف والتشهير والسب، يورد المتحدث.
وأضاف بالقول “لئن كانت الصِّحافة تؤدي دورها داخل المجتمع في نقل الأخبار الصحيحة والكشف عن التصرفات الضارة، والإعلان عن المبادرات الحسنة، كما تشكل سيفاً مسلطاً على المخالفين للقانون بواسطة تحرياتها وتحليلاتها فإن القضاء يقوم بدور المحافِظ على التوازن بين الحقوق والواجبات”.
وأردف على أن القضاء مدعو لحماية الصِّحافة والمحافظة على حريتها وعلى حقها في الوصول إلى مصادر الخبر وفي حماية مصادره المشروعة.
الصحافة والقضاء متكاملين في حماية المجتمع والنظام العام
ويُقاس نجاح الصحافة، بحسب ذ.عبد النباوي، بصحة الأخبار التي تنشرها وعلى أساس السَّبْق الصّحفي في تناول ذلك الخبر.
وتفوق القضاء في مهامه كذلك يقاس على أساس نجاحه في إقامة التوازن بين حقوق الصّحفيين وحقوق الأغيار الذين يُكوِّنُون مادة صِحفية، وعلى أساس الفعالية والنجاعة في رد الفعل القضائي.
وأوضح إلى أنه إذا بدت مهنتا القضاء والصحافة متعارضتين، فإن الحقيقة غير ذلك، لأنهما متكاملتان في حماية المجتمع والنظام العام، ولا تسمح إحداهما للأخرى بالتجاوز، وكل واحدة ترصد سير الأخرى وتمنعها من الزلل والسقوط.
ونوّه بأن تعرُّف القضاة على مهام الصّحفيين مُفيد لهم في تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالصّحافة، كما أن تعرُّف الصّحفيين على المهام القضائية مفيد للإعلاميين في تحليل الإجراءات القضائية والتعليق على الأحكام.
ويرحب المجلس بكل المبادرات الجادة للدراسة والتكوين في هذا المجال بالنسبة للقضاة وللصحفيين على السواء، يختم المسؤول كلامه.
دور القضاء في تعزيز حرية التعبير بالمنطقة العربية
ويهدف هذا اللقاء التدريبي للقضاة “من أجل دعم المعرفة والخبرات للجهات الفاعلة في السلطة القضائية”، وبصفتها وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، مكلفة بتحصين حرية التعبير، التي تعد حرية الصحافة نتيجة طبيعية لها. ويهدف اللقاء لزيادة الوعي، وتعريف الجهات القضائية الفاعلة بالمعايير الدولية والسوابق القضائية الإقليمية بشأن حرية التعبير، والوصول إلى المعلومات، والتحديات الرقمية المتعلقة بالإنترنت وسلامة الصحافيين، فيما تتمثل الأهداف العامة للمشروع في “تعزيز استقلالية الأنظمة القضائية في التحقيقات والملاحقات القضائية”، وكذا “تثمين حماية الصحافيين والإعلاميين من خلال تقوية قدرات الجهات القضائية الفاعلة على المعايير الدولية، بشأن حرية التعبير والوصول للمعلومات وسلامة الصحافيين”.
ويحتوي هذا اللقاء، المنظم على مدى ثلاثة أيام بشراكة مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب، عرضاً تقديمياً من قبل خبراء في مجالات المعايير الدولية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير، والوصول إلى المعلومة، وسلامة الصحافيين، وخطاب الكراهية، ومكافحة المعلومات المضللة ، بالإضافة إلى المناقشات التي سيقودها خبراء لوضع توصيات تنصب حول تقديم أفضل السبل للمضي قدماً في هذا المجال.
وتعتبر سلامة الصحافيين، وإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضدهم، جوهر هذا المؤتمر المنظم في إطار خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحافيين، وإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضدهم، بهدف خلق بيئة حرة وآمنة للصحافيين والإعلاميين.
ويدعم مؤتمر الرباط خطة عمل الأمم المتحدة، الهادفة إلى “تعزيز حرية التعبير ووصول الجمهور إلى المعلومات، وسلامة الصحافيين في إفريقيا”، وذلك من خلال آليات تتناول ثلاثة جوانب، تشمل المنع والحماية والمقاضاة، حيث ستسهم هذه المبادرة في تعزيز عمل اليونيسكو بالمنطقة العربية مع الجهات القضائية الفاعلة، حول المعايير الدولية والإقليمية المتعلقة بحرية التعبير.
ويتضمن هذا المؤتمر طرح ثلاث نقاط رئيسية، تتمثل في “تحسين المعرفة بالقواعد والمعايير الدولية في مجالات حرية التعبير، بما في ذلك حدودها وحرية الصحافة والتضليل الإعلامي”، و”تبادل الممارسات الجيدة والخبرات ودراسات الحالة”، و”صياغة توصيات لتعزيز التعاون بين الأنظمة القضائية بالدول العربية، بما في ذلك إدراج معايير وأدوات اليونيسكو”.