صمتت العديد من المنابر الإعلامية الجزائرية لنصف قرن عن قول الحقيقة أو حتى الإشارة إلى ظلم نظام جنرالات قصر المرادية ومحاولاتهم الدنيئة لتقسيم المغرب تحت ذريعة تقرير المصير ومساندة الشعب الصحراوي الذي لا يوجد إلا في مخيلتهم، فالأقاليم الجنوبية كانت لقرون تحت السيطرة المغربية وخاضعة لنفوذه كما كانت البيعة تربط هذه القبائل مع سلاطين المغرب منذ زمن.
اليوم، الكل خرج من الجحر ليحدثنا عن حسن الجوار ووحدة البلاد واحترام وحدة الشعب الجزائري، لم نسمعهم يوما يحدثوننا عن محاولة تقسيم المغرب، وعن التأييد المطلق والعلني للجنرالات للميليشيات المرتزقة، دعما ماليا وسياسيا واحتضانهم فوق الأراضي الجزائرية. فما الذي أنطقكم اليوم؟ هل اكتويتم بالنار التي حاولتم إحراق الجيران بها لعقود؟
يقول المثل، من حفر حفرة لأخيه سقط فيها، نصف قرن من العداء المتواصل والتآمر محليا ودوليا على المغرب، وخلق جبهات مضادة لمصالحه ووحدته، ودعم علني للمرتزقة، كل الرؤساء الجزائريون في كل خرجاتهم لا يترددون في الإساءة للمغرب ويعتبرون الأقاليم الجنوبية منطقة مستعمرة، والإعلام المأجور لا يتوارى في استعمال نفس الأسلوب حين يتحدث أو يخاطب الجار المغرب.
منذ نصف قرن، سخر النظام العسكري، سفراء وإعلام رسمي ووكالة الأخبار لنشر الأكاذيب وتزوير الحقائق لهدف واحد هو محاولة تقسيم المغرب، والإصرار على غلق الحدود رغم كل المحاولات المغربية وبعض الأحرار الجزائريين، ورفض كل محاولات القرب وعودة العلاقات المغربية الجزائرية كما تقتضيه الأعراف الإنسانية والدم وحسن الجوار.
ماكرون أهان الدولة الجزائرية واعتبرها بلا تاريخ، كما تحتضن فرنسا ما تسميه الجزائر حركة تقرير مصير منطقة القبائل، الماك، وتحتضن زعماء الحركة ومناصريها، حيث ينشطون في كل المناطق الفرنسية، لكن الجنرالات لم يتجرؤوا يوما عن مساءلة الدولة الفرنسية، أو طلب توضيح لما يجري، أو استدعاء السفير الجزائري بباريس للتشاور، أو حتى طلب توضيح من السفارة الفرنسية بالجزائر العاصمة . أم لأنها فرنسا، الأم والحاضنة.
الإعلام الجزائري لم يشر يوما لما فعله جنرالات قصر المرادية، والحرب التي شنوها على المغرب طيلة نصف قرن، سواء في الميدان بتمويل مليشيات مرتزقة، أو داخل المحافل الدولية كأروقة الإتحاد الإفريقي ومنظمات المجتمع الدولي، حيث جندت الجزائر كل ما يلزم لتقسيم المغرب، ماديا ومعنويا، وقدمت ملايير الدولارات من خزينة الدولة الجزائرية، وأموال الشعب الجزائري الشقيق لدول ورؤساء للوقوف بجانبها، وبفضل الدبلوماسية الحكيمة للمغرب، تساقطت هذه الدول إتباعا كأوراق الخريف، وسحبت اعترافها بالجمهورية الوهمية.
هل كان لهذه النخبة المثقفة دور ما، أو رأي ما، أو موقف ما، وهل عبرت يوما عن رأيها في ما يجري؟ بكل صدق وموضوعية ووفق ما يقتضيه العمل المهني واحترام الذات والضمير، إلا القليل من العقلاء الجزائريين الذين انتقدوا السياسات العدائية الممنهجة ضد المغرب، لسبب واحد فقط هو حقد العسكر للجار الغربي.
كل ذلك، وأمور أخرى لا يسعنا ذكرها، لم تحرك الآلة الإعلامية الجزائرية، لتقول رأيها الواقعي والموضوعي والصريح فيما يحصل بين الجيران والشعبين الشقيقين. فلما كل هذا الصراخ اليوم؟
فحراس المعبد القديم، لن يغيروا شيئا مما تربوا عليه، الحقد والضغينة والمكر، فقط ننتظر حتى يقول الشعب الشقيق كلمته، أو يضغط ليغير النظام سياساته العدائية، نحو انفراج كبير للعلاقات الثنائية، وإنهاء قرابة نصف قرن من الصراع العقيم.