الشاعر “غليسان” برؤية فلسفية في كتابه “متخيل اللغات”
تعرض دار النشر المغربية توبقال بالمعرض الدولي بالرباط كتاب “متخيل اللغات” عن المفكر والشاعر إدوار غليسان (1928 – 2011). ويضم حوارات من إنجاز الناقدة الكندية ليز كوفان، وترجمة الإعلامي محمد مستعد.
هذا الكتاب ينبني على رؤية فلسفية عميقة للآداب واللغات، ويمكن اعتباره بمثابة دليل فكري وتربوي يمكن الاهتداء به لتسليط الضوء على قضايا جوهرية تهم الواقع العربي بشكل خاص، وواقع “كل العالم” حسب تعبير الكاتب. فرغم المرجعية الثقافية الخاصة التي ينطلق منها إدوار غليسان، ابن جزر الأنتيل الفرنسية، فإن هناك عدة قواسم مشتركة مع واقع الثقافة العربية مثل: الاستعمار، والتعدد اللغوي، وتدبير الهويات والانفتاح على الآخر… كل هذه القضايا يتناولها إدوار غليسان بالتوصيف والتحليل وبالحلول العملية أيضاً انطلاقاً من رؤية شعرية خاصة. وهو يتحدث، مثلا، عن علاقة التعايش والتصادم بين اللغتين العبرية والعربية داخل إسرائيل فيقول: “تبدو العبرية وكأنها محتلة، كأنها محتلة لأرض تتعلق بمطلق كان يحتله آخرون في السابق”. ويتوقع أن اللغة ستتحرر، في المستقبل، مما هو مقدس. كما يبحث غليسان في وضعية لغته الأم، وهي “الكريول”، في ظل ما عاشه بسبب الاستعمار الفرنسي، وماضي العبودية في جزر الأنتيل، وما خلفه ذلك من صراع مع اللغة الفرنسية التي سيبدع فيها. وهو كاتب يتناول الفرنكوفونية من زوايا سيكولوجية وتاريخية وحضارية بعيدة عن أي صدامية، بحيث ينتبه إلى العقد النفسية التي تربط المستعمِر بالمستعمَر عموماً. ويعتبر نفسه كمثقف “متجذر ومنفتح” في نفس الوقت. وهو نفس الوضع اللغوي والنفسي المعقد، عموما، الذي ما زالت تعيشه عدة دول عربية في صراعات لغاتها الأم مع لغات المستعمر بعد مرور أكثر من نصف قرن على الاستقلال الرسمي.
يعتبر غليسان أن “المستعمر (بفتح الميم) السابق يمكن دائما أن تكون له ردة فعل من الحقد أو الانطواء على النفس إزاء مستعمره (بكسر الميم) السابق. كما يمكن لهذا الأخير، بدون وعي، أن تكون له ردة فعل من الاستعلاء. فمن الصعب دائما ربط وإقامة هذه العلاقات (…) إن الطريقة الوحيدة لمعالجة هذا النوع من الأمور هي تضافر ذاكرات تتوافق فيما بينها”.
في الرواية والشعر والنقد، يحمل إدوار غليسان أفكارا مجددة وثورية، وهو يرى أن القصة والرواية لا مستقبل لهما. في الشعر، يحب الفرنسي أرثور رامبو، وفي الرواية، يفضل الأمريكي وليام فولكنر. لكن الشعر هو الذي سيبقى خالدا لأنه هو “جوهر الأدب”. يقول: “ستتحول القصة إلى نوع من الموضة الفولكلورية لوجود ولحضور الآداب. أنا متأكد من ذلك، لأن مستقبل الآداب يكمن في ما هو معقد، وغير مفهوم، وغامض، وما هو أكثر من شاسع وأكثر من مضيء، وأكثر من مستنير … هناك مبالغة في مستقبل الآداب، والرواية هي بمثابة فن فاسد ينْبني على جنْي الأرباح الأدبية و التجارية”.
حوارات “متخيل اللغات” مع إدوار غليسان أنجزتها ليز كوفان، الأديبة الكندية، ابنة كيبيك المهووسة أيضا بقضايا اللغة في العالم الفرنكوفوني. الكتاب سبق أن أصدرته دار “غاليمار”. وتنشره اليوم “دار توبقال” بتعاون مع مصلحة التعاون والعمل الثقافي في سفارة فرنسا بالمغرب.
درس إدوار غليسان الفلسفة والإثنولوجيا. واشتهر بكونه شاعر كل العالم”، وهي نظريته المحورية التي بنى عليها شعرية منفتحة على العالم. ناضل واعتقل من أجل الدفاع عن ثقافة ولغة بلده الأصلي وبلدان عربية مثل الجزائر في مواجهة الاستعمار الثقافي. حصل على جوائز أدبية من فرنسا وأمريكا وكندا. من أبرز مؤلفاته الفكرية “أطروحة كل العالم”، و”الخطاب الأنتيلي”. كتب الشعر والرواية والمسرح. من أبرز دواوينه: “بلد محلوم به، بلد حقيقي”، “الدم الحميم”.