من أجل عقد اجتماعي بناء وواقعي!(الجزء الأول)
يقول روسو في العقد الإجتماعي: “هذا الشعب ذاته كثيرا ما يكاد يكون حاكما بقدر ما هو مواطن.” من هنا يبرز دور المواطن كحلقة ضرورية في بناء واستمرار الدولة الوطنية، إنه الفرد الفعال والمشارك بعيدا عن كل الإكراهات القمعية و التعسفية. إنه جزء من هذا النشاط السياسي والنمو الإقتصادي والتطور المجتمعي.
ومصطلح الدولة في واقعنا يشوبه الكثير من الغموض حيث يتم أحيانا الخلط بقصد أو بدون قصد بين الدولة والسلطة والحكم، حسب جيل دولوز : ” فإن السلطة ليست بالضرورة سلطة الدولة ولكنها أداة في يد الدولة وبها تحاول تأسيس السيطرة وفق مبدأ المعاقبة وآليات المراقبة التي تسعى بهما الدولة إلى جبر المواطن على احترام القانون وإرغامه على التوافق وأدبيات العيش مع الآخر وفق مبدأ الحق والواجب.”
أما الحكم فقد يكون وكما يذهب إلى ذلك هنري لوفافر، لا يؤدي بالضرورة المدلول الذي تؤديه كلمة دولة، فالحكم يمكن أن يكون حكم رئيس قبيلة أو قاضي بالمحكمة. فالدولة إذن هي هذا الجمع بين المصطلحات أو التناغم المفاهيمي الذي يؤدي إلى بلورة رؤية شاملة وواضحة لوضعية مجتمع ما، حيث يجتمع الناس والجماعات للتعايش تحت ميثاق موحد يصون حقوق ويضمن واجبات الجميع.
فقضية الإصلاح التي تسبق ميلاد الدولة الوطنية تتعلق أساسا بالسلطة وطريقة ممارستها عبر المؤسسات، ونجاح الإصلاح غير مرتبط بنجاح عمل السلطة وهياكلها فقط بل مرتبط بالأساس وهو الأهم بسلوك وعقلية الإصلاح كطريق الخلاص نحو تحقيق العدل والمساواة والمواطنة الكاملة.
يذهب لويس ألتوسير في مؤلفه “مونتسكيو والتاريخ” حين يتحدث عن رواد العقد الإجتماعي “أن ما يوحد بينهم هو طرحهم لنفس الإشكالية التي يمكن صياغتها في السؤال التالي ما هو أصل المجتمع المدني أو الدولة؟”، ويضيف بأنهم يشتركون أيضا في الحل المطروح والذي يتكون من مفهومين “حالة الطبيعة” والعقد الإجتماعي، لذا يتوجب مبدأ العقد الإجتماعي للمرور من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية.
وفي حديثه عن الإنسان يرى طوماس هوبز أن الناس طالما أنهم يعيشون بدون سلطة مشتركة تهيمن عليهم جميعا يكونون في وضع يطلق عليه إسم حرب الكل ضد الكل. وحالة الحرب هذه التي يتحدث عنها هوبز ناتجة في رأيه عن تجدر الشر في الذات الإنسانية، في حين يرى روسو أن الإنسان دو طبيعة خيرة ودو أوصاف إيجابية.
يتحدث جون لوك أيضا في كتابه “مقالتان في الحكومة المدنية” عن حق الملكية وحق الدفاع عنها مما يولد العنف لذا يتوجب سن قوانين لحل المشاكل، وهو نفس الطرح الذي يراه سبينوزا حين يرى أن البقاء للأقوى وأن القانون الذي يسود الطبيعة هو قانون الغاب.
كلها أفكار ميزت مرحلة نهاية العصور الوسطى ووضع حد لهيمنة الكنيسة وسيطرتها، مما ولد الكثير من الأفكار والمبادئ لتنظيم الأفراد والجماعات داخل المجتمع الواحد وكذا العلاقات بين الدول كما نادى بذلك كروسيوس حين دعا إلى قيام علاقات بين الدول أساسها العدل والمساواة.
إلا أن العولمة كنمط جديد يهدف إلى ترسيخ رأسمالية احتكارية متوحشة في النظام العالمي الجديد وضع نفسه بديلا لكل القوى الوطنية وكل الخيارات الإيديولوجية الأخرى. فهو مشروع يكرس كولونيالية جديدة بمفاهيم جديدة، إنها أبشع صور الوحشية لكن بأسلوب ناعم، فهو سعى لحرية قصوى لرأس المال والشركات الكبرى دون أن ننسى قروض صندوق النقد الدولي وتبعات شروطه التخريبية.