المدرسة العمومية تعاني من تمدد الفرنسية على حساب لغات الوطن
يتواصل الجدل في المغرب حول لغات التدريس في المدارس الحكومية، مع تسجيل تمدد للفرنسية على حساب العربية والأمازيغية رغم دستوريتهما في المملكة.
وانتظر الفاعلون بمجال التربية والتعليم، بعد دستور 2011 أن تنال اللغتان الرسميتان وضعية متميزة في المنظومة التربوية، لكن ذلك لم يتحقق.
تراجع ملحوظ
سجل تقرير حديث حول جودة التربية والتكوين في المغرب في ظل دستور 2011، تراجعا بالنسبة للغتين العربية والأمازيغية كلغتين للتدريس في المدرسة العمومية المغربية.
وذكر التقرير، الذي أعدته “الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم”، أنه “بالنسبة للغة العربية لم تعد لغة للتدريس، على الأقل للمواد العلمية والتقنية وفي جميع مستويات المنظومة، وهو ما جعل حجمها يتقلص إلى حوالي النصف في التعليم الإلزامي”.
وجاء في التقرير، أن “عدد ساعات اللغة العربية، سواء كلغة للتدريس أو لغة مدرسة سينخفض من 6290 قبل إرساء التناوب اللغوي إلى 3468 بعده”، وتابع أنه “في المقابل، ستتضاعف حصة اللغة الفرنسية لتنتقل من 2788 قبل التناوب اللغوي إلى 5610 بعده، لتصبح بذلك اللغة المهيمنة على وقت التدريس”.
ولتفسير هذا التمدد اللغوي الفرنسي على حساب اللغتين الرسميتين في المنظومة التربوية، نجد أن مبدأ التناوب اللغوي بين العربية والفرنسية، الذي أقرته الرؤية الاستراتيجية، عندما حُوّل إلى قانون إطار، تم تأويله لصالح اللغة الفرنسية التي أصبحت لغة تدريس العلوم والتكنولوجيا.
وبسبب ذلك القرار قُزّم حضور اللغة العربية في زمن التدريس ليصبح قريبا من الثلث، في حين أن الفرنسية أصبحت تحتل الثلثين من زمن التعلم لدى التلميذ المغربي.
جدل متواصل حول لغات الوطن
ونجد أنه من الطبيعي أن يستمر الجدل بشأن لغات التدريس، في ظل إصرار البعض على التمكين المفرط للغة الفرنسية على الرغم من كل الدراسات والبحوث التي تؤكد أن لا جودة ترجى من منظومة تربوية لا تتبنى لغاتها الرسمية في التدريس.
وبرهنت اللغة العربية أنها قادرة على امتلاك ناصية العلم، إلى جانب غناها المعجمي الذي يفوق بكثير اللغات الأكثر تداولا في العالم اليوم، مما يجعل منها لغة قادرة على التوالد اللامتناهي”.
وتعيش اللغة الأمازيغية في المغرب ظروفا أصعب مقارنة بالعربية، خصوصا أنها دخلت في بداية الألفية فقط إلى المدارس العمومية.
ودخلت وزارة التربية الوطنية في عملية تدريس اللغة الأمازيغية منذ أكثر من 19 عاما بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهو هيئة رسمية.
وجاء تقرير الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم أن “تدريس اللغة الأمازيغية للمغاربة ما زالت تعترضه صعوبات تحول دون بلوغ طموح التعميم الذي حددته الرؤية الاستراتيجية 2015-2030”.
وكان وراء إطلاق هذه الرؤية “المجلس الأعلى للتربية والتكوين”، لإرساء مدرسة جديدة قوامها الإنصاف وتكافؤ الفرص والجودة للجميع، والارتقاء بالفرد والمجتمع.
وسجلت الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم أن “نسبة تغطية تدريس الأمازيغية لازالت في حدود 15 بالمئة من مجموع طلاب الابتدائي”، متوقعة أنه “إذا استمر الارتفاع في المنحى نفسه فلن يتحقق تعميم تدريس الأمازيغية إلا بعد 50 عاما”.
أفق تدريس الأمازيغية ضبابي
ويتسم واقع تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية بالضبابية والتراجع، على اعتبار أن نجاح تدريس هذه اللغة الرسمية رهين بتفعيل الحماية القانونية للأمازيغية في جميع المجالات، وذلك بإعطائها موقعا حقيقيا في التدبير اللغوي، والمكانة التي تستحقها كلغة رسمية في دستور 2011، في إطار سياسة لغوية وثقافية عادلة ومنصفة من أجل بناء دولة لجميع المواطنين.
وتحكمت عدة أسباب في فشل تدريس اللغة الأمازيغية في المنظومة التعليمية المغربية منذ انطلاقها في الموسم الدراسي 2002-2003، منها أساسا عدم تفعيل مجموعة من المذكرات الوزارية ذات الصلة بتنظيم وتعميم تدريس الأمازيغية في التعليم العمومي، إضافة إلى أن انتقاء عدد قليل جدا من الأساتذة المتخصصين في هذه اللغة، لن يساهم في تعميم تدريسها في كل المستويات والمسارات الدراسية لمدة طويلة من الزمن.
ويتم بهذه الطريقة التعامل بها مع قضية تدريس الأمازيغية، وفي ظل غياب تام لقانون يؤطر التخصص في التعليم الابتدائي، فإنه لا يمكننا الحديث عن تعميم تدريسها لمدة عقد من الزمن.