الطرب الغرناطي يصدح في عاصمة الثقافة العربية
يعتبر الطرب الغرناطي نوعا من الموسيقى التي تعتمد على مفهوم النوبة وعلى مجموعة مصطلحات تشترك فيها أنماط الموسيقى الأندلسية عموما.وقد استقرت بشكل كبير قي المغرب والجزائر، وخاصة مدن وجدة وفاس وتطوان وتلمسان. وتعتبر مدن غرناطة وقرطبة واشبيلية المهد الأول لهذا الفن، حيث كانت الحواضر الأندلسية، خلال القرن الحادي عشر الميلادي، تتنافس فيما بينها لتقديم أجود الشعر والعزف والإنشاد في هذا المجال، وقد انتقل إلى الدول المغاربية بعد خروج بني الأحمر من آخر معقل للمسلمين بغرناطة عام 1492.
ويُعد في هذا الصدد “الطرب الغرناطي”، واحدا من أبرز الألوان الموسيقية الوافدة على الحضارة المغربية إبان ضياع المسلمين للفردوس المفقود “الأندلس”، وأصبح هذا اللون الغنائي مع مرور الزمن منتشرا على نطاق واسع، بل وأصبح يشكل جزءاً من هوية المجتمع المغربي، ولعل هذا ما يبين أهميته باعتباره وسيلة للتعريف بالمغاربة جهويا وقاريا وعالميا.
وارتبط الطرب الغرناطي بمدينتي وجدة والرباط دون غيرهما من المدن المغربية، بسبب هجرة وفود كبيرة من الموريسكيين الغرناطيين إلى المغرب، وقد اختار عدد منهم الاستقرار في وجدة والرباط نظرا لتشابه ظروفهما الطبيعية والثقافية والبشرية بأحوال غرناطة، الشيء الذي جعلهم ينقلون عاداتهم وتقاليدهم وفي مقدمتها الطرب الغرناطي. واستطاعوا نشره بين الهواة بشكل كبير في وجدة والرباط، بل تعليمه لكثير من محترفي الموسيقى بالمغرب.
تحتضن مدينة وجدة الدورة التاسعة والعشرين لمهرجان الطرب الغرناطي من 17 الى 19 يوينو 2022 تحت شعار ” المتوسط يشدو أنغام غرناطة”، والذي تنظمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة –بتعاون مع ولاية جهة الشرق وشركاء آخرين، تأكيدا على أهمية فن الطرب الغرناطي، كجزء لا يتجزأ من التراث الثقافي الوطني.
يندرج تنظيم هذا المهرجان ضمن السياسة الثقافية التي تنهجها وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة – والتي تهدف الى الحفاظ على التراث الثقافي والفني وحمايته بمختلف آليات الحفظ والصون. ولكون الطرب الغرناطي فرعا من الموسيقى المغربية التراثية، فإن الاحتفاء السنوى به بجهة الشرق يعتبر وسيلة مهمة لتحبيبه للناشئة والجمهور الواسع المتتبع لهذا الفن، إلى جانب الأهداف الأخرى التي تسعى اليها الوزارة كالتعليم الأكاديمي.
تجسد هذه الدورة شعار ” المتوسط يشدو أنغام غرناطة”، حيث تتميز بمشاركة فرق محترفة من ضفتي البحر الأبيض المتوسط إلى جانب الفرق المحلية، مع مشاركة وازنة للمعهد الاسباني سرفانتيس بمدينة فاس، الشيء الذي يرسخ مكانة الثقافة المغربية بمختلف مكوناتها وروافدها وإشعاعها في محيطها الإقليمي والدولي.
وتتسم هذه الدورة بتنوع ثقافي وفني متميز، يسعى من خلاله المنظمون إلى تعزيز مكانة الطرب الغرناطي وتسليط الضوء على رجالاته ونسائه ضمن المشهد الثقافي الوطني، حيث يتضمن البرنامج فقرات فنية متنوعة من خلال سهرات موسيقية بفضاءات متعددة بوجدة وبمدن أخرى جهة الشرق، ومسابقات العزف والإنشاد، مع ندوة علمية في موضوع “الطرب الغرناطي وفن الملحون” بمشاركة أساتذة متخصصين، إلى جانب احتفاء الدورة التاسعة والعشرون لمهرجان الطرب الغرناطي بوجدة كسابق الدورات برجالات ونساء هذا الفن الأصيل.تأكيدا على أهمية فن الطرب الغرناطي، كجزء لا يتجزأ من التراث الثقافي الوطني.
ويعد المهرجان من أقدم التظاهرات الثقافية، للتعرف على ذخائر ثقافتنا الوطنية وإعطاء الفرصة للأجيال الشابة للتعرف على هذا الموروث الثقافي البديع والتشبث به.
يسعى هذا المهرجان إلى تحقيق الإشعاع الثقافي والفني لمدينة وجدة وجهة الشرق، والتعريف بغناها التراثي وبدورها الرائد في الحفاظ على هذا الطرب الأصيل وحرصها على دعم واحتضان الفرق المهتمة به. وبذالك يصبح عنصرا مشجعا للسياحة الثقافية وعاملا مدعما للاقتصاد الجهوي ومساهما في التنمية المحلية.
إن مهرجان الطرب الغرناطي تجسيد لارتباط المغاربة بجذورهم وتراثهم الأصيل، في ظل انفتاحهم على كل أنواع الفنون المعاصرة، وهو ما يعبر عن الهوية المغربية المتشبثة بالأصول والمنفتحة على كل الثقافات.
ويؤكد الباحث الكبير ذ.محمد العساوي، أن فن الطرب الغرناطي له جذور ضاربة في الزمن الماضي نتيجة ما نلمسه من آثاره إلى اليوم في الأوساط الفنية والشعبية، وما يصادفنا من إشارات إليه من خلال أسماء رواده وكلماته وألحانه ونوباته وآلاته الموسيقية، وقد كانت ولا تزال مدينتا وجدة والرباط تساهمان في احتضانه والحفاظ عليه من الضياع والاندثار، عن طريق الأجواق الموسيقية العريقة التي أسسها الرواد أو بواسطة المجموعات الشبابية، التي تسهر على تلقينه وتحبيبه للأجيال بطرق حديثة، ومحاولة نشره خارج المغرب من خلال المشاركة في مهرجانات وملتقيات دولية، كما تلعب فعاليات أخرى دورا بارزا في حفظه وفي مقدمها الوزارة الوصية على القطاع التي تحاول التعريف به على نطاق واسع وتقديم الدعم للمجموعات الموسيقية بُغية الاستمرار في الآداء والإبداع في فن رغم أنه وافد على التراث الثقافي اللامادي المغربي إلا أنه أصبح مُكوِّنا أساسيا للهوية المغربية.