أخبارفي الصميم

من أجل عقد اجتماعي بناء وواقعي!(الجزء 2)

إذن استبدلت التنمية الوطنية بسياسة مالية واقتصاد حر أدت إلى تسارع وتيرة خصخصة مؤسسات ووظائف الدولة، وتم استبدال مشروع التنمية الوطنية بمفهومها الكلاسيكي بمشروع العولمة الذي يسعى لترسيخ رأسمالية احتكارية وشركات متعددة الجنسيات تتحكم أحيانا في القرار السياسي الوطني من خلال فرض شروط هيكلية جديدة لقطاعات عدة كي تتماشى ورؤية البنك الدولي حتى ولو لم تكن في صالح الشعب.

بقلم: عبدالله العبادي

فمشروع التنمية الوطنية التقليدي تمت صياغته وتحويله ليتماشى وشروط القرض، والتعديلات الهيكلية أدت في النهاية إلى إعادة صياغة المشروع الوطني برمته. وبهذا فقدت الدولة شيئا من سيطرتها على إرادتها مما أدى ببرنامج إعادة التقويم الهيكلي إلى إجهاض مشروع التنمية.

المشاكل التي عاشها المجتمع منذ تطبيق برنامج إعادة الهيكلة برهنت على فشل السياسات الليبرالية الجديدة ووعودها الكاذبة في تحقيق النمو والقضاء على الفقر والهشاشة الإجتماعية، فنظام السوق أوقف الدولة عن أداء مهمتها و دورها المنوط بها.

الهاجس التنموي وضعف الدولة عن أداء مهامها وكذا تناقض أهداف السوق الحرة والهدف الإجتماعي للدولة عجلا بميلاد أسئلة الدولة وماهيتها، وخصوصا حين يتم دفع الدولة نحو رفع الإعانات عن الطبقات المعوزة والحد من الوظائف الحكومية وتشجيع الخصخصة والمنافسة الغير المتكافئة، كلها مشاكل عجزت الدولة عن حلها وفوتت فرص بناء مجتمع مدني سليم ومجتمع سياسي عادل.

هل التحولات الاجتماعية التي يعيشها المجتمع المغربي تسمح له بالإنتقال إلى دولة وطنية حديثة؟ وهل هو قادرة في الوقت الراهن على عقد عقده الإجتماعي؟

لقد فشلت الدولة في عملية الدمج الإجتماعي لجميع أطياف ومكونات المجتمع، وذلك راجع بالأساس إلى غياب دولة مواطنة تضمن الحقوق وتحقق المساواة وتحترم الإختلاف والتنوع بين كل مكونات المجتمع.

وهذا الاندماج أو الدمج الإجتماعي هو في الأساس عمل نهضوي لا يمكن تحقيقه إلا في سياق دولة وطنية حديثة ذات مؤسسات قوية وفعالة، لكن غلو المفاهيم تحولت إلى أحزاب وكيانات منغلقة على نفسها تسعى إلى تحقيق أهداف ضيقة وأحيانا لمصالح نخبوية بعيدا عن الصالح الوطني العام.

إن سيطرة بعض الأفكار على المشهد الثقافي والإجتماعي عطل إلى حد كبير عملية الإصلاح ورسخ بالمقابل هويات متنافرة، دون أن ننسى بعض التيارات المثقفة التنويرية التي سعت إلى إيصال أفكارها ومشاريعها لكنها نادرا ما نجحت في ذلك. ولم تتطور فكرة الوطن والمواطنة بمعناها الحقيقي والتي تسمح بميلاد مجتمع مدني حديث ينصهر فيه الإختلاف وتتعايش الأفراد والجماعات في إطار مفهوم الوطن، هذه الترقيعات السياسية كانت سببا أيضا في المشاكل الحاصلة حيث التفسخ المجتمعي  وتصارع المصالح وتفاقم الهوة بين السلطة والأفراد.

الوطنية كمفهوم هي عنصر توحيد لجميع الفئات المجتمعية حين فشلت الأحزاب في احتواء الأزمات وجمع الشتات، فمفهوم الوطن يجب أن يعلو على كل النزاعات وإعادة جبر انحلال الروابط الوطنية  داخل مشروع وطني نهضوي للحد من تفسخ المجتمع وتمزق الهوية والدعوة إلى التعايش داخل إطار وطني عادل.

ولتحقيق ذلك كل القوى الوطنية مدعوة للعمل سويا من أجل إنجاح المشاريع التنموية، التي تخدم مصلحة الوطن والمواطن بعيدا عن المزايدات والمصالح الضيقة. وتكاثف الجهود، يضمنها المثقف والسياسي والعامل والطالب والفلاح، كل من موقعه، حبا وإيمانا في صنع الغد المنشود.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button