في كل زوايا مجتمعنا، نلاحظ اليوم، ظواهر اجتماعية غريبة عن واقعنا ولا تبث لأعرافنا بصلة، نماذج من السلوكيات الغير المقبولة والغير المفهومة والتي تعطي انطباعا عن تحولات مجتمعية في الطريق الخطأ والتي ستؤدي، إن استمرت، لا محالة إلى بناء مجتمع غير متوازن نفسيا وأخلاقيا وعقائديا ووجوديا أيضا.
قبل ست سنوات من الآن نشرت اليونيسيف تقريرا مطولا ومفصلا عن واقع التعليم بشمال إفريقيا، جاء فيه أن التنشئة الاجتماعية بهذه الدول تؤدي إلى ظهور جيل جديد من الأطفال والشباب سماتهم الشخصية والاجتماعية توحي بكونهم أطفال مدللين بالمعنى المرضي للمفهوم.
وكما يشير علماء الاجتماع أن هذه الناشئة تكبر في بيئة أسرية غير مواتية أو ذات مواقف غير سليمة اتجاه الأبناء في لحظات معينة من نموهم، حيث يفسد الكبار النمو الطبيعي للصغار. نفس الشيء حصل في الدول الغربية، حسب العديد من الدراسات، وخصوصا بعد الحرب العالمية الثانية والكوارث التي خلفتها وخصوصا في جانبها الإنساني الذي أدى إلى فقدان العديد من الأسر لأحد أفرادها، الشيء الذي أدى إلى الاهتمام المفرط بالأبناء والتسابق لتوفير كل الحاجيات الضرورية لهم والإفراط في الحنان والحماية الزائدة.
الشيء الذي أدى إلى ظهور جيل جديد في بداية الستينيات، جيل مدلل غير قادر على تحمل المسؤولية، مستسلم بالكامل، ويعتمد على إعالة العائلة، وغير قادر على شق الطريق بنفسه. مما دفع العديد من المهتمين بقضايا التربية والجيل الجديد إلى التساؤل عن هذا الوضع وعن أي ناشئة نريد لبناء المجتمع المعاصر، من أجل تعديل المسارات المجتمعية التي تخدم بشكل إيجابي الوطن والمواطن في نفس الوقت، حيث تمت إعادة النظر في العديد من المسلمات لإنقاذ الوضع وتحرير المجتمع من الظواهر الشاذة التي تعصف بمستقبل الأسرة والمجتمع بأسره.
الملاحظ الآن في مجتمعنا المغربي، أن غالبية الآباء وخصوصا من الطبقات المتوسطة والفقيرة تحاول توفير كل مستلزمات الحياة لأبنائهم حتى لا يحسون بالنقص مقارنة مع الآخرين، وأن يكون الأبناء أفضل من الآباء مستقبلا، الأمر الذي ينعكس سلبا على فهم الأطفال لواقعهم ونظرتهم للحياة. توفير تعليم مكلف، وتسابق الأهل في توفيره رغم الإمكانيات المحدودة، أدى إلى إرساء وجهة نظر خاصة حين يتعلق الأمر بالنجاح والنظرة للحياة المستقبلية عموما.
نفس الموجات الشبابية التي سادت الغرب في ستينيات القرن الماضي انتقادا للوضع الاجتماعي السائد آنذاك، تظهر الآن في جميع أرجاء المجتمع العربي كرد فعل على تربية مجتمعية غير سليمة. يفسد الآباء تربية النشء بنوايا حسنة وغير مقصودة، إنهم يريدون الأفضل لهم ويعطونهم كل شيء، قد يشعر الكثير بالقلق أن يقول كلمة لا أو يرفض طلبا للأبناء خوفا من أن يضر مشاعر الطفل أو يضر بثقته في نفسه، فينتج تلقائيا السلوك المدلل.
السلوك المدلل لا علاقة له بالوراثة، وهو الأمر المحمود إذن، وعلاقته فقط بالتربية الأسرية لذا فمعالجته ترتبط بالإرادة الأسرية والمجتمعية، وكلما كبر الطفل المدلل أصبح التغيير أكثر صعوبة. كما أن استفحال الظاهرة بالمجتمع، تنذر بالكثير من المشاكل الاجتماعية والسلوكية للجيل الحالي الذي يعبر عن ذلك بالكثير من الإفلاس والتمرد.