بقلم: ادريس الكتاني**
أياما قليلة بعد وفاة المغفور له الحسن الثاني، الذي وافته المنية يوم الجمعة 23 يوليوز 1999، ومباشرة بعد عودتي من العطلة الصيفية إلى الكويت حيث كنت سفيرا، تلقيت زيارة لمقر سكني من طرف أحد الصحافيين الكويتيين المرموقين، الذي كانت له علاقات بالقصر الملكي لم أكن ملما بفحواها.
وبعد تقديم التعزية قال لي « السيد السفير جئت لأطلعك علي شيء غريب لا أكاد أصدقه . لقد كنت ضمن المدعويين من طرف صاحب الجلالة رحمه الله لحضور عید ميلاده الستين، أي في عشرة يوليوز 1989، وكان على ، كلما حضرت تلك الحفلات التي كان يشرفني جلالته بدعوتي إليها، أن أتحف جلالته بنكتة جديدة لم يسبق له أن سمعها، وعندما أردت البدء في حكاية النكتة التي حضرتها لتلك المناسبة، استهلیت كلامي ب “يا طویل العمر “، ” كما نفعل عادة في الخليج، فإذا به يوقفني بحدة لم أكن أتوقعها منه، خاصة ونحن نحكي في مجال الترفيه، ليقول لى بنوع من النرفزة لم أعهدها فيه”؛ ” شوف الأخ أحمد هذا الكلام ياطويل العمر ، قولها لهم لما تكون عندهم (ويعني عند حكام الخليج) ، أما نحن هنا نقول شيء آخر”.
وأمام استغرابي أضاف “عندما دخلت هذه القاعة ماذا سمعت خدام القصر يقولون بصوت عال؟ إنهم يرددون « االله يبارك في عمر سيدي » فنحن هنا لا نطلب طول العمر بل “البركة في العمر “
سكت جلالته مهلة تم قال بعد تأمل « أنا مثلا إذا أعطاني االله عشرة سنين أخرى مزيانة من العمر ، فهذا فيه الخير والبركة، وإلا فما معنى أن يطول الله العمر لملك في ظروف صحية مزرية ويبقى الجميع ينتظر وفاته؟ ».
وكأنه يشير إلى وضعية عدد من حكام المملكة السعودية في تلك الفترة. ثم انصرف مباشرة بعد تقديمه تلك الملاحظة التي لم أفهم قصدها وفحواها في حينه، بدون أن يمكنني من إتحاف سمعه بالنكتة العجيبة التي كنت هيأتها له.
وعندما سمعت في ، الأسبوع الماضي بوفاته، صعقت من هول الخبر المؤلم، ثم بعدها تذكرت كلام جلالته عن طول العمر وعن “البركة “في العمر، ثم توقفت عند ملاحظته الأخيرة عندما قال « أنا عطيني عشرة سنين أخرى مزيانة أحسن من… ».
وكم هي كبيرة دهشتي عندما اهتديت إلى أنه توفي تماما بعد عشر سنين وفي نفس الشهر الذي سمعت من جلالته تلك الرغبة، بل أقول “ذلك التنبؤ العجيب.
فقصصت عليه بدوري معلومات كنت أتوفر عليها تزكي ذالك الطرح ،تشير إلى أن جلالته كان أبلغ سياسيين مغاربة وأجانب أنه على وشك فراق الحياة، وقيل إنه تحدث لأحزاب المعارضة انذاك عن مدة أقصاها خمس سنين، مقترحا عليهم تسيير حكومة ائتلافية تسهر على تدبير تلك الفترة الانتقالية للسلطة، وكذلك كان ، بتأسيس حكومة عبد الرحمان اليوسفي.
وقصصت عليه كيف أن أحد كبار معارضي الحسن الثاني وهو المرحوم الفقيه البصري ، لم يقبل بتلك العملية الانتقالية، مقتنعا بأنها مناورة من الحسن الثاني لتوريط المعارضة وجعلها تقبل بالانصهار في نظامه، الشيء الذي أخر تلك العملية وجعل الحسن الثاني يعلن عن مرضه أمام البرلمان حتى يبدد تلك الشكوك ، قائلا “المغرب “مهدد بالسكتة القلبية
، وهي المقولة التي فهمها معظم المحللين خطأ، وما زالوا يعتقدون، ومن ضمنهم رجال السياسة، أن جلالته كان يقصد الصعوبات التي يواجهها المغرب في تلك المرحلة، في حين أن الحسن الثاني كان صادقا فيما صرح به ، كون “قلبه “كان مهددا فعلا بالسكتة القلبية .
وما يؤكد صدقية هذا التفسير هو أن جلالته سيتوفى غفر الله له بالقسم الطبي لامراض القلب بمستشفى ابن سيناء وهو القسم الذي طوره جلالته، ووضعه تحت تسيير العصبة الوطنية لأمراض القلب والشرايين، وهي المؤسسة التي أحاطها جلالته بعنايته، حيت مكنها بأحسن التجهيزات واستقطب لها أحسن الاطر تحت إشراف البروفيسور محمد بنعمر، وهو أحد أطبائه الذي رافقه عن قرب لمدة تناهز ثلاثين سنة.
ويبقي الغريب في القصة التي رواها لي هذا الصحفي المرموق هو أن جلالته سبق أن تكلم عن تاريخ وفاته عشرة سنين قبل حدوثها .
*سفير سابق