العالمتقارير وملفات

الأزمة المؤسساتية البرازيلية كما يفسرها المحلل السياسي “دي فريتاس”

الحدث الافريقي_فريق التحرير_ومع

منذ تولي “جايير بولسونارو” رئاسة البرازيل سنة 2018، وعلاقته مع السلطتين التشريعية والقضائية لم تكن يوما على ما يرام. وشهدت حدة التوتر في الأشهر الأخيرة مستويات مقلقة لدرجة أنها أضحت تهدد الاستقرار الاقتصادي والديمقراطية في بلد له أهميته الجيوسياسية في المنطقة.

 وبلغت الأزمة المؤسساتية ذروتها مع فتح مجموعة من التحقيقات في حق زعيم اليمين، الذي سبق وأن تم توقيف بعض حلفائه. كما لا ينظر رئيس الدولة بعين الرضا لإلغاء العقوبات والمحاكمات الصادرة في حق لولا دا سلفا، منافسه من اليسار الأكثر حظا للظفر برئاسيات 2022.  ودعا بولسونارو، خلال مظاهرات للمتعاطفين معه الذين طالبوا يوم 7 شتنبر الجاري بمناسبة عيد الاستقلال بالتدخل العسكري وحل المحكمة العليا، إلى رفض قرارات قضاة المحكمة العليا، الذين تحول بعضهم إلى ألد أعداء الرئيس، الذي لا يكف عن التشكيك في نزاهة الانتخابات المقبلة.

 وأثارت تصريحات رئيس الدولة، غير المنتمي لأي حزب بعد أن غادر الحزب الليبرالي الاجتماعي ولم يؤسس حزبا آخر، حالة من السخط في الأوساط السياسية والقضائية والمنظمات الوطنية والدولية.

ولم يتأخر مناوؤوه في الرد عليه خمسة أيام بعد ذلك من خلال تنظيم مظاهرات تدعو إلى الإطاحة ببولسونارو، كما كان الحال بالنسبة للرئيسة السابقة ديلما روسيف، عن حزب العمال، المطاح بها سنة 2016. وكان رئيس الدولة قد أفلت من عشرات المطالب بتنحيته، والتي تم إقبارها بسبب “فيتو” رئيس مجلس النواب، أرتور ليرا.  وفي محاولة لإعادة الأمور لصالحه، تقدم بولسونارو بطلب تنحية أحد القضاء المناوئين له، إلا أن مشروعه هذا م ني بالفشل في مجلس الشيوخ.

 وفي هذا الصدد، صرح الخبير البرازيلي في الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية، ماركوس فينيسيوس دي فريتاس، لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن القضاة لا يتم انتخابهم، بل يستمدون شرعيتهم من أولئك الذين قاموا بتعيينهم، وهم أعضاء مجلس الشيوخ. وأشار إلى أنه “لهذا السبب تتمتع وظيفة القاضي بحماية الدستور في البرازيل. فالقضاة لا يضعون القوانين، وإنما يقومون بالاجتهاد القضائي، وهي طريقة مؤقتة لفهم القوانين، محددة بالروح الأصلية التي أقرها المشرع، باعتباره الممثل الشرعي للشعب”.  وفي خضم هذا التوتر السياسي والقضائي في البرازيل، أول قوة اقتصادية في أمريكا الجنوبية والبلد الأكثر كثافة سكانية في المنطقة (213 مليون نسمة)، لا تتوقف الأوساط السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام عن التعبير عن مخاوفها بخصوص ما يمكن أن يحصل في حال فوز اليسار سنة 2022.

 وقال الأستاذ الزائر في جامعة القضايا الدولية الصينية “لقد عشنا نفس وضعية الولايات المتحدة، غير أن الاختلاف يتمثل في أن الكل هناك يفهم في نهاية المطاف أن التناوب يشكل قاعدة اللعبة. أما في البرازيل، فنحن نلاحظ وجود مقاومة في هذا الصدد. فالتناوب ي نظر إليه على أنه أمر غير حكيم”، مشيرا إلى أن التهديدات بالتنحية “تسيء للديمقراطية وللبرازيل”.  وشدد دي فريتاس على الأهمية المحورية لاستقرار البلاد التي تأثرت بعمق جراء الأزمة الصحية، مشيرا إلى أنه “من بين المؤسسات اللازم بقاؤها مستقرة في المسار الانتقالي، لدينا مؤسسات يتوجب عليها اتباع سياسة الدولة، من قبيل الدبلوماسية والقوات المسلحة والبنك المركزي والمحكمة العليا. لا يجب أن نجد في أي قطاع من هذه القطاعات تحيزا إيديولوجيا من جانب أولئك الذين يشغلون الوظائف الحكومية”.

 وبخصوص حالة المحكمة العليا، أبرز الخبير البارز في “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد” أنه “تقرر منح أعضائها أقدمية أطول (يعينون مدى الحياة حتى يبلغون 75 سنة كحد أقصى للحصول على التقاعد) لولايات ممتدة مقارنة بالولايات الانتخابية، وذلك بهدف الاستمرار في العمل بعد ذهاب الأشخاص الذين قاموا بتعيينهم، وبالتالي، المحافظة على الاستقرار اللازم في الفترات الانتقالية، بحكم أنهم غير خاضعين للرقابة الشعبية”.  وحذر دي فريتاس من أن “أسوء شيء يمكن أن يقع هو أن يتحول قاض إلى شخصية مشهورة ويعتقد أنه يطبق القانون. إنها وصفة مثالية لحدوث الكارثة”، مبرزا أنه ” صحيح أن تشييد بناء ديمقراطي هو مسار متدرج، إلا أن الهدف منه -بالإضافة إلى الحرية الفردية- هو تأسيس مجتمع مستقر يضمن إمكانية النمو الفردي والتنمية الجماعية”.

 وخلص الخبير البرازيلي إلى القول : “إن البرازيل في حاجة إلى السلام والاستقرار أكثر من أي وقت مضى. فأجندة البلاد جد متطلبة والمشاكل عميقة. لقد حان الوقت ليستوعب كل واحد الدور المنوط به. فالقضاة لا يشر عون، والسياسيون لا يجعلون حياة المواطنين بئيسة، والصحافة عليها واجب الإخبار لا التجييش. ففي حال استوعب كل واحد دوره، ستمضي البلاد قدما. والأهم من ذلك كله، يجب أن نجعل من زيادة الدخل الفردي للبرازيليين هدفا للجميع”.

 بالرغم من أن النزاع السياسي في البرازيل لا يبدو في طريقه للتراجع، فإن تصريحات الرئيس نفسه ونائبه والعسكريين توحي بجنوح نحو التهدئة التي تعتبر البلاد في أمس الحاجة إليها، لاسيما وأن معدلات البطالة والتضخم ترتفع بشكل كبير، وهي وضعية لن تزيدها القطيعة المؤسساتية إلا سوءا.




مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button