احمد العلمي: باحث في السياسات العمومية
لعل ظهور حقيقة أزمة الماء بالمغرب دفعت جميع المهتمين بدق ناقوس الخطر، وطرح أسئلة عدة، تتمحور حول الماء والجفاف وأزمة الغذاء، سيما وان التحولات المناخية التي يعرفها العالم جعل كل الأقطار من مختلف القارات تتجمع في لقاءات تشاورية دولية لتشخيص الحالة المائية وتأثرها بالتحولات المناخية وتأثيرها السلبي على الفرشة المائية، وكدا ما هي الحلول الواجب اتخاذها في هذا الجانب.
صورة آخر لقاء ل”مجموعة 7 ” حول العديد من القضايا وعلى رأسها معضلة الماء ، تضع المغرب هو الأخر في زمرة الدول التي تبحث عن مخرج لهذه الإشكالية، إذ عمد في العديد من المناسبات إلى اتخاذ إجراءات موسمية لا تحل أزمة الماء، التي كانت ولا زالت مستمرة إلى حدود 2022 ، حيث بدأت الحكومة مجبرة على تقاسم هذا الإشكال، مع باقي الفعاليات سواء منها الأكاديمية والمدنية أو الحقوقية نهاية بالقطاعات الوزارية المعنية، و التي يفترض أن تكون قد أعدت إستراتجية، تصب في معالجة هذه الآفة، والبحث عن حلول انية بتدبير وتوزيع مجالي ترابي، يضمن فيه للمواطنين الماء والغذاء.
وإذا كان اليوم العالمي للبيئة ومكافحة التصحر والجفاف ، هو مناسبة تجتر معها واقعا صار يقلق المسؤولين ، فان السياسة والحكامة العمومية للماء تفترض شروطا ومسؤولية تنمية الحق في الماء وضمان الأمن المائي” وذلك ” من اجل ميثاق وطني للحقوق المائية والغذائية.
صعوبة معضلة الماء تاتي معها مسؤولية توفير الغذاء والدواء، وهي متلازمة فرضت نفسها، بعدما ظهر جليا قيمة هذا الثالوث في عالم متحول ومتغير يقضي بضرورة استحضار اهمية الدولة الاجتماعية ، ونظرية العقد الاجتماعي التي هي اس رهان توفير وضمان الحق في الحياة للمواطن، كما جاء في دستور 2011.
وكل رهان الا وله استراتيجية واضحة ، وبما ان أزمة الماء بالمغرب استفحلت مؤخرا لعدة اسباب منها ماهو تقني ومنها ما هو مناخي ، أي ان السياسة المائية بالمغرب اليوم تحتاج الى تشخيص وتقييم حقيقي يدخل في صلب الفعل العمومي، وتسخير كل الإمكانات الثابتة والمتحركة لتجاوز معضلة حقيقة يعرفها المغرب حاليا وكدا مستقبلا.
كما ان الوضع الحالي لمعضلة الماء في المغرب هي نتيجة اضطراب مناخي تحول من مناخ متوسطي في مفهومه التقليدي الى مناخ صحراوي، الذي بحسب الدراسات العلمية، صار هو الأصل فيما التساقطات هي الاستثناء، وبذلك هناك حاجة مسالة إلى السعي وراء تعزيز وتطوير الحوار الوطني، والنقاش العمومي حول شروط ومسؤوليات حماية حقوق الماء وضمان الامن المائي والغذائي، ومواصلة مختلف الفاعلين في صيانة وتدبير الموارد المائية واستعمالها واستدامتها.
فشروط تدبير إشكالية المتغيرات المناخية وتموقع المغرب ضمن خريطة الدول التي تعيش على عتبة الفقر المائي،تجعل الدولة تضع في حسبانها البحث عن حلول آنية وفتح نقاش عمومي، بحيث كانت هناك تساؤلات حقيقية حول جدوى القوانين المنظمة لهذه المادة الحيوية، وهل بالفعل تحميها من الاستنزاف، علما أن كل الدول التي توجد ضمن خريطة الدول المهدد بالجفاف والتصحر “تضع” في حسبانها كيفية التغلب على أزمة الماء، وبالتالي القوانين الدولية للماء تعرف الواقع الحالي وتتجمع في مؤتمرات وقمم دولية للخروج من أزمة تلوح في الأفق.
ويعد شرط المتغير الديمغرافي وتعرض المدينة لتعديل في النمط السكني الحضري مؤشرا لهيكلة التدبير المائي الحضري، الذي لا يعدو أن يكون إلا نقطة في نهر توقف تدفق مياهه وأصيب جريانه بالشلل، وهو المعنى المجازي التي يتم من خلاله التأكيد على إعادة النظر في حوكمة تدبير الماء والتغلب على معضلة الجفاف، الشيء الذي يجعل السلطات العمومية تضع في مساطرها تجريم كل مخالفة من شانها، ان تزيد من تعميق الأزمة وان تكون هناك حماية حقيقية للثروات المائية، وتحقيق توزيع ترابي تطبق فيه العدالة المجالية.
وبالتالي فان الأجوبة عن التساؤلات التي تشغل بال كل المعنيين بتقييم السياسة المائية بالمغرب، ثم الآليات التي يجب تفعيلها لحماية الثروة المائية وكدا تطبيق القوانين المرتبطة بتدبير معضلة الماء بتحديات تفرضها التنمية الاقتصادية والزراعية، كحلقة مترابطة فيما بينها للحفاظ على التوازن الغذائي والسلم الاجتماعي والتوزيع العادل للثروات الطبيعي.
واهم ما يجب الإشارة إليه ” ان الدولة الحقيقية هي من توفر “الماء والغذاء والدواء” وهي متلازمة يجب استحضارها في كل إستراتيجية مستقبلية، مع ضرورة تحلية مياه البحر كحل أساسي يتم فيه استغلال الثورة البحرية التي تقاس ب 3500 كلم، أما المياه الجوفية او باقي الثروات المائية الباطنية، فهي المسالة التي تحوم حولها عدة تساؤلات، سيما الطريقة التي سيتم التدبير بها لهذه المادة الحيوية، بحكم غياب سلوك مواطن له ثقافة تدبير المياه العذبة ، سواء من حيث كيفية استغلال مياه الشرب او باقي الاستعمالات “الصناعية والفلاحية والسياحية”، ناهيك عن دور السلطة المائية بالمغرب وباقي المتدخلين في تدبير القطاع.
ويبقى أهم رهان في هذا الباب هو القيام بدبلوماسية مائية” استغلال الثروات المائية ببعض الدول الافريقية” كحل أساسي ودائم، في إطار وضعية المغرب الحالية في أفريقيا ، ولما لا القيام ببناء أنبوب مائي يجاور أنبوب الغاز الطبيعي القادم من نيجيريا، بحيث هذا الأجراء يقتضي إرادة سياسية قادرة على توفير الميزانية التي سيتطلبها هذا المشروع.