منذ أن انتصر المسلمون على الفرس في معركة القادسية 16-19 نوفمبر 636 بقيادة سعد بن أبي وقاص، ومن قبله خالد بن الوليد، التي كانت معركة حاسمة وعظيمة أوقفت أكبر تحد كان ينوي القضاء على الدولة الإسلامية الفتية في عهد عمر بن الخطاب، وانتزاع العراق من الدولة الفارسية، التي مكثت قرون تحت حكم دولة فارس، وكانت أيضا بداية لنهاية حكم الدولة الساسانية التي لم يتمكن الإغريق ولا الرومان من القضاء عليها، وتم تأسيس البصرة عام 636.
لكن الفرس لم يتوقفوا عن مناهضة الدولة الإسلامية واتجهوا إلى نقض العهود الموقعة بينهم وبين الدولة الإسلامية، وتجمعوا في منطقة نهاوند، وحشد نحو مائة ألف في نهاوند بقيادة الفيرزان لمقاتلة المسلمين، فقاد معركة المسلمين النعمان بن مقرن في 642 التي انتهت بنصر المسلمين، وسميت بفتح الفتوح،لأن الفرس لم تجتمع بعدها، وتعتبر سقوط الدولة الساسانية في الفترة 633- 651، ولم يأتي عام 674 إلا والمسلمون فتحوا خراسان الكبرى تشمل مقاطعة خرسان الإيرانية الحديثة، أفغانستان الحديثة، وأجزاء من بلاد ما وراء النهرين.
تحالف الإيرانيون مع العباسيين بالإطاحة بالدولة الأموية التي مثلت نهاية الحكم العربي، وبداية دولة متعددة الأعراق، وفرض الإيرانيون على الدولة العباسية نقل عاصمتهم من دمشق إلى بغداد عام 762 التي كانت جزء من إمبراطوريتهم سابقا، لكن معركة القادسية في 636 انتزعت العراق من حكم الدولة الساسانية، ثم بدأت مرحلة بيروقراطية فارسية تحل محل الارستقراطية العربية.
حتى تضاءلت سيطرة العباسيين مع إطلالة القرن التاسع خصوصا مع ظهور قادة إقليميين في الزوايا البعيدة عن الدولة تتحدى السلطة المركزية للخلافة العباسية، فجند العباسيون المماليك الناطقين بالتركية لمواجهة الفرس، لكن تمرد الزرادشتيين المعروفين باسم الخرمية من قاعدة أذربيجان شمال غرب إيران من أجل أيرنة البلاد ضد الحكم العربي متعدد الأعراق، ففي أوائل القرن العاشر سيطر على الدولة العباسية البويهيون 934 – 1064، لكنهم هزموا على يد السلاجقة الأتراك، حتى اجتياح المغول بغداد عام 1228 وتم القضاء تماما على الدولة العباسية.
يعتبر الفرس هم من وقفوا خلف الحركة الشعبوية في رد فعل لمكانة العرب المحتكرة التي منحهم هذه المكانة نزول آخر الرسالات على النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم عند أي فتح إسلامي ردا على أي منازلة كانوا يرفضون تعريب المناطق، تماشيا مع أوامر دينهم الجديد، ووصايا رسولهم الكريم بالحفاظ على ثقافات الأمم، فظل الفرس فرسا والترك تركا وبقية الأمم، لكن الفرس أرادوا إسلاما فارسيا رغم انه ليس إسلاما عربيا، بل إسلاما عالميا، فظهر المذهب الشيعي بعد القرون التسعة الأولى، فظهرت الأمامية والزيدية، وكان الفاطميون في القرن الحادي عشر يرسلون دعاة إسماعليين إلى إيران للترويج للمذهب الإسماعيلي الفاطمي، إلى أن تأسست الدولة الشاهنشاهية الصفوية 1501 – 1736، ودار صراع بينها وبين الدولة العثمانية التي استمرت من القرن ال16 إلى ال19 للسيطرة على شرق الأناضول والقوقاز والعراق وبلاد الحجاز التي يتواجد فيها الحرمين الشريفين، فكانت أول معركة جالديران انتصر فيها الدولة العثمانية في 1514، وفي عام 1775 احتلت الدولة الصفوية البصرة، لكن بعد ثلاث سنوات استردتها الدولة العثمانية، انتهت الحرب بين الجانبين في الحرب العثمانية القاجارية عام 1823 انتهت بمعاهدة أرضروم.
كان يدعم هذه الحرب بين الجانبين الأوربيون خصوصا بعدما فتح العثمانيون القسطنطينية عام 1453 حيث كان هناك اهتمام عثماني كله موجها إلى أوربا، وكانوا يواصلون التوغل في أوربا الشرقية ببأس شديد وقوة لا تردع في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، ولكن فشلت الدولة العثمانية في استعادة الأندلس التي انقرضت عام 1492 بسبب التحرشات الصفوية والأعمال الاستفزازية التي كانوا يقومون بها في أراضي الدولة العثمانية، واندلاع الثورات الشيعية في عقر دارها التي نتج عنها معركة جالديران عام 1514 مني الصفويون هزيمة نكرا، ونتج عنها ضم السلطان سليم الأول الشام ومصر والحجاز إلى دولته الصاعدة، وإنهاء الدولة المملوكية، ومن ثم الانشغال بالتصدي للبرتغاليين في البحر الحمر والبحر العربي والمحيط الهندي المدعومين من الصفويين والأوربيين الذي كان على حساب اكتمال ضم أوربا واستعادة الأندلس.
توفي السلطان سليم الأول سنة 1520 وهو يعد العدة لإعادة الزحف على إيران للقضاء على الدولة الصفوية نهائيا، ومن ثم جمع كلمة المسلمين تحت راية واحدة، لأنه كان عليه ان يجهز الأسطول العثماني لطرد البرتغاليين من الهند، لأنه أراد أن يتحول البحر الأحمر إلى بحيرة إسلامية، ومن ثم ضم اليمن وشرق أفريقيا لتأمين الحرمين الشريفين من البرتغاليين المتحالفين مع الدولة الصفوية، لتحطيم أسطورة فرسان القديس يوحنا في جزيرة رودس، وبالفعل تم فتح هذه الجزيرة وسيطرة العثمانيين على البحر المتوسط سيطرة كاملة.
كانت الدولة الصفوية متحفزة دائما للغدر والشر والأذى وحليفة الإسبان والغرب الصليبي ضد الدولة العثمانية، ووصول هذا الخطر إلى شمال اليمن حيث برز الأمة الزيديون في معقلهم الجبلية كعدو شرس لدولة الخلافة العثمانية، وصار خطرهم ليس فقط على الدولة العثمانية بل أيضا على ميناء عدن، حيث القاعدة العثمانية الاستراتيجية لمواجهة المد الأوربي الصليبي في البحر العربي والمحيط الهندي وشرق أفريقيا، فركزت الدولة العثمانية على هذا الخطر والتخلص منه قبل فتح بقية أوربا، وهو نفس السيناريو الذي يتكرر اليوم تحالف بين ولاية الفقيه والولايات المتحدة في دعم الحوثيين ضد السعودية، وهم نفسهم كانوا الخطر الداهم ضد الدولة العثمانية في عهد السلطان سليم الثاني 1566.
رغم العلاقات الثنائية بين إيران وروسيا، لكن الذاكرة التاريخية للإيرانيين لا تزال تستحضر الحروب التي أدت إلى انتزاع أجزاء من أراضيهم الشمالية وضمها إلى الإقليم الروسي بموجب اتفاقيتي غلستان عام 1813 وتركمنجاي عام 1828، فضلا عن تدخل الروس لإجهاض الثورة الدستورية 1905 – 1911 واحتلال الأراضي الإيرانية في الحربين العالميتين، في المقابل اكتشف الإنجليز النفط في الأهواز عام 1908، ما جعل بريطانيا تسلم منطقة الأهواز إلى إيران التي تقع جنوب غرب إيران حاليا،وهي المنطقة التي أقام العرب لهم أول دولة بعد سقوط الدولة العباسية، وهي دولة بني أسد التي اتخذت من الأهواز عاصمة لها.
وفي بداية القرن السادس عشر اعترفت الدولتان الصفوية في فارس والعثمانية باستقلال دولة عربية بالأهواز هي الإمارة المشعشعية التي انتقل فيها الحكم لبني كعب في القرن الثامن عشر، وكان آخر امرائها الشيخ خزعل الكعبي الذي سقطت إمارته عام 1925 بسبب دخول النفط.
كان هناك نزاع بين بريطانيا وروسيا سميت باللعبة الكبرى، قسمت النفوذ بينهما خلال الحرب العالمية الأولى حيث احتلت القوات البريطانية والروسية إيران بعد الثورة الروسية عام 1919، وإنشاء الأسرة البهلوانية 1925 – 1979، سمي بغزو الأنجلو السوفيتي عام 1941 لضمان الحصول على النفط في الحرب العالمية الثانية دعما للحلفاء وطرد الألمان من إيران ، بسبب أن الإيرانيين كانوا يراهنون على انتصار ألمانيا فرفضت المطالب البريطانية والروسية بطرد الألمان، لكن استقلت إيران عام 1943.
بدأت مرحلة وظيفية جديدة لإيران ضد الاتحاد السوفيتي وضد المنطقة العربية خدمة للمصالح الغربية الناتو، فظهرت مظاهرات لدعم الخميني عام 1963، مكنت بريطانيا من استيلاء إيران على الجزر الإماراتية الثلاث عند مصب الخليج العربي عام 1971 في نفس وقت استقلال دولة الإمارات لتعزيز الكيان الإيراني في مواجهة الكيان العربي في منطقة الخليج الذي يقابل الكيان الإسرائيلي في فلسطين.
لم تنضم إيران إلى الحظر النفطي العربي على الغرب وإسرائيل في عام 1973، ففي عام 1978 حدثت مظاهرات كبرى تأييدا للخميني ففي 1 فبراير 1979 بدأت مرحلة أيديولوجية ثورية قومية بصبغة إسلامية قادها الخميني مستندة على مفهوم ولاية الفقيه وتصدير تلك الثورة إلى كل العالم العربي كأولوية، وحصل الخميني على تأييد جميع التيارات الإسلامية الغير قارئة للتاريخ التي تغررت بتلك المسميات الدينية وتتقاطع مع آرائها ويدعمها الغرب أيضا ضد حكوماتها، لكن الغرب كان أكثر قراءة للتاريخ الإسلامي، وقدرته في ضرب الإسلام من الداخل لأنه يوظف الدين، وفي نفس الوقت الوقوف أمام أي تكتل عربي إسلامي ويتكرر نماذج دولة الخلفاء الراشدين، ودولة الأمويين، والعباسيين، والدولة العثمانية، وعرفت أن الدولة العثمانية لم تتمكن من التوسع في أروبا بسبب الدولة الصفوية المتحالفة مع البرتغاليين، فهي تريد تطبيق نفس النموذج بالتحالف مع دولة ولاية الفقيه، رغم أنه يبدو ان الجانبين متصارعين كواجهة لتمرير مخططاتهما، وقد يكون هناك خلاف بينهما على خروج إيران عن الدور المرسوم لها.
الغرب مستمر في جعل إيران دولة وظيفية بين الصين وروسيا والسعودية، لكن جميع هذه الدول فهمت اللعبة الكبرى، وتحاول السعودية اقناع إيران بالتخلي عن الدور الوظيفي للغرب، والمشاركة في الشرق الأوسط الأوربي الذي يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خصوصا وأن السعودية تقيم علاقات مع جميع الأطراف، وفشل الغرب أو أيا من روسيا أو الصين أن يجعل السعودية تميل إلى طرفها ضد الغرب حيث ترفض السعودية أن تتحول على دولة وظيفية على غرار إيران في المنطقة.
خصوصا وأن إيران نتيجة سلوكها الوظيفي التي تؤديه لصالح الغرب، كما كانت في زمن الدولة الصفوية عندما تحالفت مع البرتغاليين ضد الدولة العثمانية، فأصبح دورها على مدار التاريخ بعد هزيمتها في معركة القادسية 636 تؤدي دورا وظيفيا حتى اليوم،لكن هذا الدور انعكس على مكانتها وقوتها حتى أصبح ناتجها الإجمالي خمس الناتج السعودي، ونصف الناتج الإماراتي، والتضخم الأسوأ في 40 عاما، الذي اصبح خارج السيطرة، والزيادة في أسعار المواد الغذائية والمشروبات في إيران خلال 12 شهرا بلغت 61.4 في المائة، وهو رقم قياسي جديد، مع تدهور قياسي في قيمة العملة الإيرانية، إذ سجلت لأول مرة في تاريخها 33 ألف تومان مقابل الدولار في 13 يونيو 2022 بعد أن كان سعر الدولار 100 تومان عام 1979.