حين يستخدم الدارسون في العلوم الاجتماعية مصطلح الثقافة، فإنهم يتحدثون عن مصطلح أقل بكثير مما هو شائع في الحديث اليومي. فالثقافة حسب تعاريف العلوم الاجتماعية، هي كل ما هو موجود في المجتمع الإنساني، يتم توارثه اجتماعيا وليس بيولوجيا، فالثقافة إذن، مصطلح دال على كل الجوانب الرمزية المكتسبة داخل المجتمع.
في نهاية القرن التاسع عشر، قدم الأنتربولوجي إدوارد تايلور تعريفا للثقافة أشار فيه إلى الكيان المركب والذي ينتقل اجتماعيا ويتكون من المعرفة، المعتقدات، الأخلاق، الفنون، القانون والعادات. وبهذا التعريف ندرك أن الثقافة والحضارة شيء واحد، لكن للألمان وجهة نظر أخرى حيث تشير الثقافة إلى الرموز والقيم أما مصطلح الحضارة فيعني تنظيم المجتمع.
حتى علماء الآثار حين يستعملون مصطلح الثقافة فهم يميزون بين المادي أي ما يترك من مباني، آثار ومآثر وغيرها، واللامادي أي الأفكار والمعتقدات والقيم وكل ما يمكن أن ينقل ويستمر عبر التعلم والتربية، الموضوع الأول المادي يستهوي علماء الآثار، في ما ينكب علماء الاجتماع والتاريخ والأنتربولوجيا على المحور الثاني أي اللامادي.
في القرن التاسع عشر، ذهب شارل تايلور ولويس هنري موركان وآخرون إلى أن الثقافة فعل واع وإبداع العقل الإنساني. بهذا التعريف يمكن أن نقول، أن الثقافة هي هدف أسمى، من القيم والأخلاق يسعى المجتمع الإنساني بلوغه. هذا التعريف، وكذا النظرة الأحادية والفوقية للغرب، الشيء الذي ساهم بشكل كبير في ترتيب المجتمعات والحضارات وعجل بفكرة نشر الحضارة واستعمار مجتمعات أخرى اعتبرت متخلفة عن الركب الحضاري.
اختلف علماء الغرب عن العمليات التي يتم من خلالها استعارة السمات الثقافية أو تناقلها بين المجتمعات، الشيء الذي أدى إلى بروز فكرة المناطق الثقافية. إلا أن مفهوم الثقافة عموما كان بالإجماع هو نتاج حضاري لمجتمع ما، والاختلافات التي سادت آنذاك في داخل المجتمعات، كانت اختلافات ثقافية بالأساس، ومن تم اختلافات حضارية.
كما أن مفهوم الثقافة يمكننا من فهم وتفسير السلوك البشري، أنساق المعتقدات، القيم الإنسانية وكذا أنماط الشخصية التي تميز ثقافة ما. كما تم تحليل الثقافة على ثلاث مستويات: أولا أنماط السلوك المكتسبة، ثانيا العناصر الثقافية التي تمارس وظيفتها تحت مستوى الوعي ثم ثالثا أنماط التفكير والإدراك التي تتشكل ثقافيا.
فالثقافة إذن مكون حضاري يميز بين مجتمع وآخر، منسوبه يساهم في تقسيم المجتمعات إلى درجات متفاوتة خصوصا في زمن العولمة، حيث تندثر الحدود الجغرافية أمام الغزو الرقمي ونشر المعلومات وانتشار الأفكار بشكل سريع جدا.
الشيء الذي يساهم في فرض ثقافات مجتمع ما على مجتمع أخر بشكل غير عنيف وبطريقة سلسة حيث ينمو الشعور بالدونية وأحيانا بالتخلف. فجل المجتمعات المتقدمة اليوم، استثمرت جيدا في الثقافة، كقوة ناعمة، وبشكل مثمر مما جعلها تفرض نفسها كقوى حية وحضارات متقدمة، والباقون يتبعون فقط.
القوة الناعمة تشمل العناصر المستعملة من قبل الفاعلين من أجل التأثير بشكل غير مباشر على الآخر، من أجل تبني فكرتهم دون الشعور بالطابع الإجباري، إنها مجموعة قوى نافذة تتسلل إلى البنيات، وتتمركز أساسا في المجال الثقافي كالفن وأنماط الحياة عامة.
يتعلق الأمر هنا بتعبئة أفعال الجدب والانبهار، في زمن القرية الرقمية، وتراجع مفهوم السيطرة المكلفة ماديا ومعنويا، مما رجح كفة أهمية العوامل الغير المادية في تثبيت القوى من خلال سياسات ثقافية جذابة ومبدعة وخلاقة تخاطب العقول والقلوب. وبذلك عوضت القوى الناعمة السياسات الواقعية المبنية على التدخل المباشر عسكريا واقتصاديا، وأصبحت بديلا قويا وغير مكلف للسيطرة وإخضاع الآخر.