أخبارفي الصميم

الثقافة بين أزمة الخطاب وخطاب الأزمة

بقلم: عبدالله العبادي

استطاع النقد الفكري الحديث والعمل العلمي الجاد أن ينهيا، مع مفاهيم الحق المطلق والسلطة الشمولية في الحكم، من الفكر السياسي وتم التوحيد  بين السلطتين بحسب معايير خاصة بكل مجتمع. أما في مجتمعنا العربي فإن الأمر جد معقد حيث سيطرة الفكر القبلي والعشائري والسلط الشمولية والعسكرية والمتزمتة، وهي مجتمعات إجمالا لا دينية ولا علمانية ولا إطار إيديولوجي لها تعيش على هامش الحضارات والتقدم الإنساني.

للأسف لا توجد أبحاث كثيرة حول هذا الموضوع، وإن وجدت فهي خاضعة لتأثيرات إيديولوجية أجنبية، إذ لا تنطلق من الواقع الثقافي والاجتماعي التاريخي للمجتمع العربي. وأعتقد أن المشكلة القائمة الآن بين السلطة السياسية والسلطة الثقافية هي أصل العلل التي يعانيها الواقع العربي، وهي مشاكل تمتد لكل المجالات، التربوية والاجتماعية والتنموية والثقافية والسياسية.

وتشكل الحياة الاجتماعية نظاماً متكاملاً تترابط كلّ عناصره فيما بينها بشكل متناسق، كما أن القيم والعناصر المكونة للنظام الثقافي متمثلة ومختزنة بأمانة في أعماق الفرد، وتشكل برنامجاً خفياً يضبط سلوكه وينظّمه بشكل آليّ تلقائي يقوم في الغالب على الفعل وردّ الفعل.

العلاقة بين الإنسان والثقافة المجتمعية التي ينتمي إليها ويعيش فيها هي علاقة أكيدة، وهي التي تحدّد معنى وجوده من خلال ضبط سلوكه اليومي في كل مجالات الحياة ولاسيما الثقافية، فالقيم والعادات وقواعد السلوك ومفهوم الأخلاق تمثل في مجملها مفهوم الثقافة السائدة. ولما كانت هذه المفاهيم لا وجود لها من غير الأفراد في المجتمع فقد تبيّن أن هذه المفاهيم هي عين الأفراد في المجتمع الواحد، بمعنى أنها تنظم سلوكهم اليومي، وتضبط علاقاتهم الاجتماعية، وتحدد مواقفهم وأفعالهم وردود فعلهم في السلوك، وهذا ما يجعلنا نقول إن الثقافة الاجتماعية إنما تتجسد في مجموع الأفراد في المجتمع وإن العلاقة بين الثقافة والمجتمع علاقة أكيدة من خلال تمحورهما على الإنسان في ذلك المجتمع.

إذن الثقافة هي مجموع الأفكار والمعطيات التي تظهر بشكل منظم فيما بينها وتتشكل من الأنساق المعرفية الاجتماعية المتعددة التي تنظم حياة الفرد ضمن جماعة تشترك فيما بينها في الزمان والمكان. فالثقافة هي التمثيل الفكري للمجتمع الذي ينطلق منه العقل الإنساني في تطوير عمله و إبداعاته، فهي بالتالي تحدّد هوية المجتمع في كافة أبعاده المادية والمعنوية.

ولعل ما تعاني منه الهوية الثقافية العربية أنها ابتعدت عن جمهور الناس و المجتمع، تعيش في أبراج خاصة تنأى بنفسها عن المجتمع بحجة أن المجتمع متخلف. وتدعو إلى تغييره وتقويمه من خلال فرض الثقافة التي تريدها النخبة عليه، فقد ظل المجتمع عامة يرفض تلك الثقافة الغربية ويتهمها لأنها ليست منه ولا تتفق مع نظرته العامة، وظلت الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة والتراثية في المكتبات، وإن كانت في جزء منها تعرضت للتشويه على أيدي بعض المثقفين المستغربين عندما نظروا فيها من خلال مناهج غربية بعيدا عن سياقها المعرفي التاريخي في محاولة لتشويهها تسوّغ دعواهم بأنهم السبب في تخلف المجتمع العربي.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button