في مثل هذا اليوم..معركة الأرك تثبت أقدام السلطان بالجزيرة الايبيرية
في مثل هذا اليوم من سنة 1195 ميلادية الموافق للتاسع من شهر شعبان 591 هجرية، وقعت معركة الأرك (Bataille d’Alarcos) والتي انتصر فيها الموحدون، بقيادة السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور انتصارا كبيرا على قوات مملكة قشتالة بقيادة ألفونسو الثامن، والتي كانت لها نتائج كبيرة ومهمة على مستقبل المسلمين بشبه الجزيرة الإيبيرية، وتعود تسميتها لكونها وقعت قرب قلعة الأرك، التي كانت تفصل قشتالة عن بلاد الأندلس.
كان لمعركة الأرك دور كبير في توطيد حكم الدولة الموحدية في بلاد الأندلس وتوسيع رقعة تواجدهم فيها، وتوسعهم بشبه الجزيرة الإيبرية، وقد اضطر الملك ألفونسو بعد هذه الهزيمة طلب الهدنة من السلطان الموحدي أبي يوسف المنصور. ويعتبر المؤرخون هذه المعركة مضاهية لمعركة الزلاقة في وقع الهزيمة على القوات الإيبرية .
سنة 1190، قام سانشو الأول ملك البرتغال بغزو مدينة فارو التابعة للحكم الإسلامي، فعلم السلطان الموحدي وجهز جيشا عتيدا وعبر البحر في اتجاه الأندلس، فحاصرها وحررها من أيدي البرتغال وحرر معها أربع مدن أخرى كانت تابعة للمسيحيين بعد أن أخذوها من المسلمين. وعندما علم ملوك إيبيريا بسقوط المدن في أيدي السلطان الموحدي أصابهم الرعب والذعر مما دفع بملك قشتالة لطلب هدنة خمس سنوات من السلطان الموحدي.
إلا أن ألفونسو الثامن، عاد بجيوشه ليغزو المدن الخاضعة للحكم الموحدي بعد انتهاء مدة الهدنة، وراسل السلطان الموحدي ودعاه إلى الحرب، وأرسل رسالة مستفزة للسلطان، فلما قرأ السلطان الرسالة كتب على ظهرها، وبهمة السلاطين الكبار، ولأن ألفونسو لا يستحق أن يكتب له خطاب كامل، كتب على ظهرها ما يلي: “أرجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون الجواب ما ترى لا ما تسمع”. فأمر السلطان جيشه بالتأهب للحرب ولن يرتاح باله إلا بعبور البحر بجيش لا يعد ولا يحصى وقتال القشتاليين وإذلال الملك ألفونسو وجيشه الذين عتوا فسادا في الأندلس.
جهز الموحدون قواتهم استعدادا للحرب، وعبروا المضيق واستراحوا بالجزيرة الخضراء قبل مواصلة السير نحو قشتالة لملاقاة قوات ألفونسو، وفي طريقهم انضمت إليهم جيوش الأندلس، فصار العدد يناهز المائة ألف مقاتل حسب بعض المؤرخين، في اشبيلية مكثت الجنود هناك لترتيب أمور عديدة وإستراتيجية الحرب. فيما حشد ألفونسو قواته غير بعيد من قلعة الأرك ومن قلعة رباح، كان ذلك قبل حوالي شهر من بداية المعركة.
واصلت الجيوش الموحدية تقدمها نحو قلعة الأرك لملاقاة الجيوش القشتالية، كان أبو عبدالله بن صناديد من كبار قادة الجيش الموحدي، فطلب من السلطان المنصور تقسيم الجيش فاستجاب له وعينه قائدا للجيش الأندلسي، وعين وزيره أبو يحيى بن أبي حفص قائدا عاما للجيش الموحدي. وكان السلطان يقوم بنفسه بزرع الثقة في نفوس جنوده ويعدهم بنصر من الله، وخاطبهم قائلا: “اغفروا لي فان هذا موضع غفران وتغافروا في ما بينكم، وطيبوا نفوسكم واخلصوا الله نياتكم”.
في الجانب المقابل كانت الجيوش الإيبيرية على استعداد للحرب، فقد حاول ملك قشتالة الاستعانة بجيوش الجيران، إلا أنهم أبطأووا الإمداد فقرر خوض المعركة بجيشه فقط، الذي قدره المؤرخون بأكثر من مائتي ألف جندي.
احتلت القوات القشتالية موقعا مميزا في الأعلى تحميهم قلعة الأرك من الخلف، فنظم ألفونسو جيشه جيدا تقوده الخيالة في المقدمة، ويقوده الملك بنفسه. كانت هذه المعركة من الأهم المعارك التي خاضها المسلمون بالأندلس من حيث العدد والقيمة والنتائج التي نتجت عنها، كان على الموحدين الانتصار لاستمرار تواجدهم بالأندلس وحتى لا تطمع الجيوش الإيبرية في الهجوم على باقي المناطق الخاضعة للسيطرة الإسلامية، إذا معركة الأرك مفصلية ونتائجها ستحدد مستقبل الوجود الموحدي بشبه الجزيرة الإيبرية.
قبل المعركة، بدأت بعض عناصر الجيش الموحدي تجس النبض، إلا ألفونسو أرسل حوالي سبعون مقاتل كدفعة أولى لمواجهة الجيش الموحدي، وصفوا كموج هائج، إلا أن الجيش الموحدي رد هذه الهجمة فما كان على ألفونسو إلا أن يرسل دفعة أخرى، لكنهم وجدوا مقاومة كبيرة، ما كان على قائد جيشهم إلا أن يدفع بأعداد كبيرة لتفريق مقدمة القوات الموحدية وتفكيكها. رد المسلمون هجمتي القشتاليين إلا أن الثالثة كانت قوية وقتلت أعدادا كبيرة من الموحدين، مما حدا بالسلطان أن ينزل بنفسه بدون جيش إلى القبائل ليجدد العزم ويدعو إلى قتال القشتاليين.
أرغم الجيش الموحدي على التراجع خصوصا بعد سقوط القائد أبو يحيى بن أبي حفص، فوصل القشتاليون إلى قلب الجيش الموحدي، فاعتقدوا أنهم كسبوا المعركة، وأن النصر قد لاح. إلا أن الجيش الموحدي واصل زحفه بقيادة ابن صناديد واقتحم صفوف قوات ألفونسو وفرقوها، وحاصروها وقتلوا عددا كبيرا منهم، في حين فر الباقون، لم يستسلم الفونسو ومن معه في ساحة المعركة بل فر إلى طليطلة بعد أن تأكد له أنه خسر الحرب نهائيا.
بعد انتهاء المعركة، وصل السلطان الموحدي زحفه نحو القلعة فحاصرها وكان بها قائد الجيش القشتالي وخمسة آلاف جندي، بعد مقاومة عنيفة استسلموا، وتم إخلاء سبيلهم مقابل إطلاق سراح من أسر من الموحدين.
أكمل السلطان مسيرة الفتوحات بالأندلس فسقطت عدة مدن قريبة من طليطلة، حتى وصل إليها حيث كان يقيم ألفونسو، فحاصرها كذلك، ولم يفتحها لان نساء وبنات ألفونسو توسلا للسلطان بإبقائهم فيها، فمن عليهن وتركهن السلطان بها، وعاد إلى قرطبة حيث جاءه رسول من الفونسوا يطلب الهدنة والصلح فصالحه السلطان.
كانت نتيجة المعركة مهمة جدا للموحدين، حيث زادتهم هبة ومهابة وأدت لاستمرار تواجد المسلمين بشبه الجزيرة الإيبرية.