هل يئسنا إلى هذا الحد من واقعنا، من الدفاع عن حقوقنا المشروعة، لماذا هذا التواطؤ مع الأقدار التي لم تنصفنا، حتى صرنا نصدق كل ما نسمع ولا نتق في كل ما نسمع، هكذا أصبحنا مواطنو مجتمع اليوم.
هل نحن نعيش النهاية، نهاية إنسانية الإنسان، تفكك على كل المستويات، أسريا، مجتمعيا، سياسيا اقتصاديا واجتماعيا وفى عالم يتداعى بشكل غير مسبوق، أو هكذا على الأقل يخبروننا باستمرار، في صحف بئيسة وبرامج تافهة، محسوبة على الصحافة، تساؤل الناس عن العذرية وعن تعدد الأزواج وقصص تافهة لجني المال والمتابعين. تصفح العناوين اليومية في مجلات ومواقع أو طالع أخبار القنوات التي يمكن أن تتغلب عليك بسهولة وتقنعك بما يجري على طريقتها وستصدقها.
مرحبا بالتفكك العظيم، كما قال جورج باركر، وبالطبع لا نحتاج، إلى شخص يخبرنا بأن الأوضاع تتداعى، فنحن نشعر كل يوم بهذا ونسمع فقط أخبار الحرب والفقر والتهميش والأزمات والديون والصراعات هنا وهناك. فساد وانفلات أخلاقي وأفول مفهوم الإنسانية، وتعويضه بالمصلحة لا غير. ووفقا لدراسة حديثة أجراها البنك المركزي الأمريكي فإن 47% من الأمريكيين لا يملكون الآن سوى قليل من المدخرات بحيث لا يمكنهم تغطية نفقات الطوارئ البالغة 400 دولار فقط.
في كتابه الجديد تحت عنوان: “الإصلاح.. كيف تنجو الأمم وتزدهر في عالم يتداعى”، يتطرق جوناثان تيبيرمان الكاتب والصحافي الكندي، إلى تجارب دول عديدة، كيف عانقت التمنية وكيف تعمل للحفاظ عليها ككوريا الجنوبية وسنغافورة والبرازيل وغيرهم. تجارب عديدة، لمجتمعات واقتصادات مختلفة، عانت بعضها الانقسامات والحروب، لكنها ضمدت جروحها وآمنت بصنع المستقبل وتعايشت كما يجب.
في الفصل الخامس، يتحدث عن القضاء على الفساد في سنغافورة، وهو ما أراه مهما جدا، لحالنا اليوم. نعيش في بلد حباه الله بموقع استراتيجي، حلقة وصل بين الشرق والغرب، سواحل وجبال ورمال، والأكثر من هذا استقرار أمني وتعايش كبير بين كل مكونات المجتمع بفضل ملكية تعد من أقدم الملكيات في العالم وصمام الأمان لاستقرار الوطن.
إلا أننا نفتقد لأحزاب سياسية غيورة على هذا المجتمع، نفتقد لسياسيين من طينة عبدالرحمان اليوسفي وعبدالله إبراهيم والعديد من الشرفاء الدين كان همهم فقط خدمة الوطن والمواطن. اليوم سياسيونا يتطاحنون من أجل المناصب والمصالح الضيقة، يقولون ما لا يفعلون.
حين يعدك أمناء الأحزاب بوعود انتخابية، وحين يصلون الوزارات ينسون ما قالوا، هنا المشكلة. أهي مشكلة ضمير أم ماركة مسجلة لنوع سياسي ابتلينا بهم؟ وحتى المعارضة تغير خطابها حين تصل الحكومة وتتنصل من التزاماتها. هدا حالنا اليوم، فهل ستكون سنغافورة مثالا يحتدى به؟
نعم لا سبيل غير ذلك، القضاء على الفساد الذي ينخر المجتمع والمؤسسات، وأخاف أن يصبح ضروريا للحياة وشر لا بد منه. إنه أكبر المعيقات التي تعيق تنميتنا الشاملة وتحقيق دولة العدالة الاجتماعية، كما يسبب أيضا في هجرة الكوادر والأطر وإقصاء آخرين من حقوقهم وواجباتهم، وساد الإحباط من الوضع الراهن.
الإصلاح لا يمكن تحقيقه في ظل فساد متفشي، لا يمكن أن تصلح وتفسد في الآن نفسه. يجب ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتفعيل دور الرقابة، وإشراك المجتمع المدني بشكل جدي في عملية الإصلاح الشامل.
حتى تصير الحكومة جزء من الشعب وفي خدمة المجتمع وخدمة الوطن أولا وأخيرا.
هدا الزمان أصبح يصدق فيه الكداب و يخون الأمين