من وأدَ الفلسفة ؟ وهذا ما جنيتم !
بقلم :عبدالله العبادي
تعود كلمة فلسفة إلى أصول يونانية وتتألف من جزأين: فيلو و سوفيا، وتعني فيلو المحبة، وأما سوفيا فتعني الحكمة، وهكذا يصبح معنى الفلسفة: محبة الحكمة أو محبة المعرفة المستمدة من التأمل والتحليل والاستنتاج.وبذلك فالفلســــفة تميل للتساؤل والـتدقيق في كل شيء، والبــــحث عن ماهــــيته، ومختلف مظاهره، وأهم قوانينه.
للفلسفة مواضيع اهتمام تشمل نظرية المعرفة، الأخلاق، طبيعة اللغة، وطبيعة العقل. هناك ثقافات واتجاهات أخرى ترى أن الفلسفة دراسة الفن والعلوم، فتكون نظرية عامة ودليل حياة شامل. وبهذا الفهم، تصبح الفلسفة مهتمة بتحديد طريقة الحياة المثالية وليست محاولة فهم الحياة فقط.
لا أحد ينكر دور الفلسفة في بناء الإنسانية والحضارات، فهي أم العلوم، إلا المجتمع اليوم اتجه نحو بناء العقلية التقنية المحضة تحسبا لمتطلبات سوق الشغل، فأنكرنا دور الفلسفة والعلوم الاجتماعية والإنسانية في بناء الشخصية وبناء الفرد. فالعصر أكيد عصر الرقمنة والمكننة.
لكن الفرد الذي لا يعي تاريخه، لا يمكنه أن يفهم الآخر وأن يستوعب فكر الآخر. الأفراد الذين لا يعون الجغرافيا لا يمكنهم فهم خريطة الواقع ويمكن اعتبارهم خارج الرقعة الأرضية التي نعيش عليها، التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع والفلسفة مواد أساسية مهما كانت تخصصات الطالب أو التلميذ، فهم يشكلون بذرة بناء الذات وتكوينها التكوين الصحيح.
فحين تم ربط الفلسفة بقضايا إيديولوجيو صرفة، وتم زجها في معترك السياسة قسرا، تم إجهاض دورها في بناء العقل وتكوينه على طرح الأسئلة وحاسة النقد والتفكير، وإنقاذ العقول من الاكتفاء بالجاهز والبحث في قضايا الفكر والطبيعة والبشر والحياة. الفلسفة تحمي العقول من السطو والاستلاب الذي يمكن أن يلحق بها إذا ما لم تتكون كما يجب، وهي بذلك تبني عقول قوية قادرة على فهم الأمور بالشكل الصحيح أي بناء ذات وشخصية مستقلة.
فالتحديات اليوم مبنية على فهم التاريخ البشري، مستقبل المجتمعات، سلوكياتهم وكل ما يمكن أن تحمله لنا السوسيولوجيا من أفكار ونظريات، والفرد الذي لا يعي جيدا هذا الجانب لا يمكنه أن يعايش بشكل سوي هذا الواقع، وسيجد نفسه تقنيا وآليا أكثر من الآلة نفسها.
فقد تم تهميش الفلسفة لدواعي إيديولوجيةّ، لكن في المقابل، تم إنتاج عقول تابعة فقط، لا تفكر بالمنطق بل تأخذ كل ما هو جاهز وتعتبره من المسلمات دون طرح أسئلة، أو محاولة خلخلة الواقع لفهم أسراره والبحث في ظواهره الاجتماعية والإنسانية، لعلها تعطي مفاهيم جديدة أو تطور مفاهيم قديمة.
لقد أخطئوا فعلا في تهميش الفلسفة منذ عقود خلت، وتم التركيز على العلوم الحقة بشكل كبير استجابة لمتطلبات سوق الشغل، وكأننا نكون ماكينات وليس بشر، حتى صار الحديث عن الفلسفة والعلوم الإنسانية لا يعني شيئا لدى الطلاب.
للفلسفة دور في إنتاج عقول تنويرية ، وتساهم في إنتاج القيادات الفكرية الجيدة، كما تنمّي قدرة الفرد على الحوار التفاعلي والتفكير التشاركي وتمثل أيضا إحدى الدّعامات الأساسية للعقل التواصلي.
يقول المفكر الفرنسي ألبير جاكار، الفلسفة هي فن العيش، أي أن يصبح الإنسان غير خاضع لتسلسل التحولات الغذائية، بل إنسانا مستفيدا من الوعي اللصيق بإنسانيته.