بقلم: اد. عادل القليعي
كرم الله تعالى الإنسان ورفعه مكانا عليا في كتابه العزيز في قوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم)، ومن مظاهر تكريم الإنسان أن وهبه الله تعالى عقلا يفكر به فيميز بين الحق والباطل ، الخطأ والصواب ، الغث والثمين ، القبيح والجميل ، الموبق والمحي.
كذلك من مظاهر تكريم الإنسان أن هذا العقل قد صانه الله من كل ما يخامره ويغيبه ، بل وحرم كل المسكرات وجعل تعاطيها من الكبائر التي يعاقب عليها الله تعالى (إنما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون).
لماذا لأن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فى العروق ، فما بالنا عندما يتسلط على هذا العقل فيستعمله أداة فتاكة لتدمير هذا الإنسان بتغييبه عن الوعى بمسكر مخدر يجعل الإنسان في حالة نشوة سكرة تجعله يرتكب الموبقات كأن يقتل أو يسرق أو يزني ، لماذا لأن الله تعالى إذا أخذ ما وهب فحدث ولا حرج.
إنسان فاقد عقله معطل بمسكر خمر ، أو أى نوع من أنواع المخدرات التي انتشرت بصورة فجة وبشعة بين أفراد المجتمعات جميعاً وبين كل طبقات المجتمع لم تفرق بين غني وفقير ، بين صغير وكبير.
بل وظهر من أطلقوا على أنفسهم تجار السعادة، وما هي بسعادة، بل تجار حسرة وندامة وسيعلمون إلى أي منقلب سينقلبون.
الكل يريد أن يحقق لذة ونشوة وقتية ينقاد إليها ووراءها انقيادا ، تبدأ بمرة (تفاريح)، ثم تتلوها مرات إلى أن يصير عبدا لهذه الشهوة (التعاطي) فيصبح أسيرا له ينفق كل ما يملك من أجل الحصول على هذه المخدر الذي سرى في عروقه فلا يستطيعون فكاكا عنه ومنه .
وقد يصل الأمر إلى السرقة ، يسرق أمه وأبيه وأخيه ، إن كان شابا ، وإن كان متزوجا يسرق مصوغات زوجته أو يحصل منها على النقود تارة بطوعها ، وتارات أخرى باكراهها على ذلك وتهديدها بالطلاق ، لماذا كل هذا ، لأنه صار أسيرا وعبدا للمخدرات التي أهلكته واستنفذت قواه البدنية واستنفذت كل أمواله ولا يجد غضاضة أن يبيع مفروشات بيته أو حتى يستعملوه في البيع والترويج والاتجار .
فيتحول من عضو نافع للمجتمع إلى عضو فاسد ضآل مفسد ومضل ، فبعد أن يكون ذا عمل محترم يفقد هذا العمل ، بعد أن يكون ذا مظهر وشكل جميل يتبدل حاله وتتغير هيئته ، بل وقد يودي به الأمر إلى أن يهيم على وجهه في الشوارع متسولا يمد يده ويشحذ أو يسرق من أجل الحصول على بعض المال الذي يشتري به هذا المخدر.
وإذا أردنا أن نتحدث في عجالة عن الآثار التي تترتب على تعاطي المخدرات بأنواعها على الفرد والمجتمع فيمكننا أن نقول:
أولا:الآثار التي تترتب على الأسرة الصغيرة ، تدمير لحياة هذه الأسرة فليس التدمير سيقع على رب الاسرة المدمن فقط بل على كل أفراد الأسرة وكل من يعوله وقد يتسبب المدمن في موت والديه الهرمين حزنا عليه ، وقد يتسبب في ضياع مستقبل أولاده وتدمير سمعتهم ، حتى وإن كانت لديه إبنه لن يتقدم أحد للارتباط بها ، حتى وإن كان له ابن يعمل في وظيفة مرموقة كأن يعمل مثلا ضابط شرطة ووجد والده في أوكار التعاطي ، أو العكس وجد إبنه يقف على قوارع الطرقات وشاهده في حملات تفتيشة ، ماذا سيكون الموقف.
أو متزوجا من سيدة ذات منصب وافتضح أمر هذا الزوج ، كيف يكون الحال.
إذا الإدمان طآمة كبرى تضرب الأسرة الصغير في معاشها وفي حياتها ، فهل يبادر هذا المتعاطي بالتوبة وطلب المساعدة أو إن عرضت عليه المساعدة كأن يوضع في مصحة لعلاج الإدمان أن يقبل هذه المساعدة ، دون تردد صحيح قد يتعرض لنوبات صرع حادة وقد يثور وقد يحطم ما يراه أمامه لكن سيعود إنسان جديد نقي.
ثاني هذه الآثار التدميرية للادمان.
هذا بالنسبة للأسرة الصغرى ، أما سلبيات الإدمان على الأسرة الكبرى المجتمع فبعد أن يكون هذا الشخص عضو فاعل ذا تأثير في مجتمعه وبعد أن يكون أداة بناء وتنمية يتحول إلى عضو عآلة على المجتمع يعيث فى الأرض فساداً لا يهمه شيئا ، اللهم إلا تلبية متطلباته فيسرق ، وقد يقتل ويفعل أى شيئ ويمكن إن اضطره الأمر أن يبيع نفسه أو يقدم من يعوله هبات لكي يحصل على ما يريد من جرعات هذه المخدرات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أما ثالث هذه الآثار فهي الآثار الأخلاقية ، فحدث ولا حرج فبعد أن يكون إنسانا صالحا لا يخرج من فمه إلا طيب الكلام يتحول إلى إنسان سليط اللسان غير عفيف ، يسب ويشتم ويلعن ، ومن الممكن وهو مغيب يغتصب ويتحرش ويسرق ويفعل كل ما هو بشع ومشين.
ويحول حياته وحياة من حوله إلى جحيم.
أما عن كيفية العلاج.
على مؤسسات الدول جميعها التصدي بكل ما أوتوا من قوة لهدم أوكار المخدرات فوق رؤوس أصحابها.
ليس هذا وحسب بل وتغليظ العقوبات على هؤلاء التجار وعلى المتعاطين أيضا حتى يكونون عبرة لمن سولت له نفسه ولمن ستسول له نفسه الإقدام على ذلك.
المراقبة الدقيقة وتكثيف دوريات الشرطة ليلا ونهارا على كل الأماكن لأن هذه الأمور استشرت وانتشرت بصورة فجة على قوارع الطرقات، تباع المواد المخدرة عيانا بيانا، وقد يتعرضوا للقبض عليهم، ثم تراهم بعد يوم أو حتى بعد ساعات يعودون إلى البيع في أماكنهم، فلابد من تكثيف مراقيتهم ومراقبة من يقبض عليهم والضرب عليه بيد من حديد.
كذلك تكثيف الحملات الشرطية على الأفراح فأصبح التعاطي بكل أنواعه تفوح رائحته من هذه الأفراح.
كذلك تكثيف الأكمنة على طرق السفر السريعة، وهو ما يحدث الآن من تحاليل للسائقين للكشف عن تعاطيهم للمخدرات، لكن هذا ليس كافيا ومن ثم لزم التكثيف، وشاهدي على ذلك إنتشار حوادث الطرق السريعة بصورة لافتة للأنظار.
كذلك توفير كآفة المستلزمات الطبية من استحداث مصحات لعلاج الإدمان على الطرق الحديثة دونما ترهيب لمن تعرض للادمان.
أيضا على المؤسسات النفسية ممثلة في الطب النفسي تهيئة هذا المدمن نفسيا وتأهيله نفسيا كى يستطيع أن يتعامل مع المجتمع بعد أن يشفى.
أيضا للإعلام دور توعوى مهم في إبراز أثر وأضرار المخدرات على الصحة العامة والصحة النفسية والصحة المجتمعية أيضا باستضافة متخصصين أكاديميين أطباء ، وطب سيكولوجي وعلماء إجتماع.
أيضا على المؤسسات الدينية دور لا يمكن تجاهله علماء الدين الإسلامي ، المسيحي ، اليهودي كل في مجاله وعلى منبره ، يوضحون للناس قبل وقوع الكارثة عقوبة ذلك دينيا ، ويزيدوا الوعى الديني عند الناس وتفقيههم في الدين وأن هذا حرام وأن صحتك أمانة الله عندك ،فيجب عليك أن تحافظ عليها لانك لو حفظتها في صغرك سيحفظها الله عليك في كبرك.
السيدات والسادة الحديث عن هذا الموضوع طويل
لكن في هذا الكفاية لمن سبق له العناية.
وأنتم يا من لا زلتم تمارسون هذه الرذائل سواء تعاطيها أو الترويج لها أو بيعها ، أما آن لكم أن تنتهون.
ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، والله غفور رحيم.
اسألكم سؤال ، أيهما أفضل أن تلقوا الله على تقوى وطهر وعفاف أم تلقوه ورائحة المنكر تفوح من افواهكم.
ماذا ستقولون له.
سبحانه وتعالى.
** أستاذ الفلسفة الإسلامية. آداب حلوان.