لائحة العبث طويلة !
بقلم: عبدالله العبادي
كيف انقلبت العديد من الموازين داخل المجتمع، كيف تنحت الأخلاق جانبا في العديد من الأماكن والمناسبات، كيف غابت القيم والمبادئ من السياسة والاقتصاد والقضاء والإعلام والطب، والكثير من الميادين والتخصصات الأخرى، كيف وصل المجتمع إلى هذه الدرجة من الانحدار المخيف، أي مستقبل للأجيال القادمة في وسط هذا الصخب العنيف من التفاهة والميوعة والفساد.
العديد من الأسئلة التي تحيرنا اليوم، عن ما آلت إليه أوضاع مجتمعنا المعاصر، كيف نفقد هويتنا وأصالتنا يوما بعد يوم، ولم نعد نملك سوى خطابات رنانة فارغة من كل مضمون قوي وناجع، لم تعد النخب المثقفة تقف في وجه العبث بل صارت جزءا من اللعبة، وصارت تمتهن الفساد الثقافي الممزوج بالكثير من النفاق الفكري بحثا عن الشهرة والمال وحب الظهور ولعنة الكراسي والزعامات.
دعونا نبحث معا عن عاهات المجتمع، عن القوانين التي أضرت به وبالمواطن، دعونا نتفحص قليلا ما يعيشه الناس في حياتهم اليومية. لنكن جريئين، ونسمي المسميات بأسمائها عوض الاختفاء وراء الستار وطرح الأفكار والفرضيات والحلول البعيدة جدا عن واقعنا وحاضرنا ومستقبلنا.
دعونا نقف قليلا أمام المرآة ونجلد الذات بشكل نقدي بناء، عوض الاستمرار في الغوص في المياه الراكضة وانتظار مرور الأمواج. فلنبحث بجد عن الطريقة التي يجب أن يسير عليها قطار المجتمع، والأسلوب الذي يمكننا من اكتشاف كل الأعطاب والأخطاء التي وقعنا فيها، والتي لا زلنا نتخبط فيها. دعونا نحيي الأمل الجميل في أعماق شبابنا بأن الغد أفضل، ولندمر كل الفرضيات والأفكار التي تحبطنا وتقلل من عزيمتنا، يجب أن نتعلم أن لا نلقن الدروس لأحد، لأننا كلنا مسؤولون عن هذا الانحطاط، عن مرارة العيش وسواد الرؤى.
يجب أن لا نسقط في تناقضات التنظير والممارسة، فلينزل الكثيرون من أبراجهم العاجية، ونعلن نهاية حقبة المثقف المنظر الفوقي، فالمثقف ابن الشعب، يجب أن يعيش معه كل التناقضات الممكنة، ويتحمل مسؤولية إيجاد الحلول الممكنة في الوقت المناسب قبل حدوث الكارثة.
عمت التفاهة والميوعة كل شيء، فصرنا نعتبرها جزءا من واقعنا المعاش، صار المغني التافه والراقصة أفضل من المعلم القدير، وصارت أخبار التفاهة تلقى اهتماما ومتابعة لا نظير لها، فأي مستقبل لهذه الأجيال؟ ماذا نحضر للغد؟
لقد ترك المجتمع يواجه مصيره، من دون تأطير فكري- ثقافي ولا صحافة نزيهة، واليوم نجني ثمار فشلنا الذريع في التعليم والإعلام. المجتمع يعيش اليوم حالة من الاضطراب الثقافي، يعيده إلى نقطة البداية في الكثير من الحالات، ويجعل منه مجتمعا فوضويا بدائيا في العديد من المناسبات.
نحن بحاجة أن نأتي بكل الأفكار تحت الضوء ونضعها تحت المجهر، من أجل أن نعيد ترتيب المجتمع ونضعه على السكة الصحيحة لعلنا نخرجه من عنق الزجاجة. دعونا نحيي جدالا ثقافيا جيدا ونافعا ومخلصا عوض الدوغمائيات السياسية والثقافية المتداولة، فلنكن صرحاء مع ذواتنا، لنعطي مثلا في الرقي الفكري والأخلاقي وتقبل الأفكار واحترام الآخر، ولنجعل السياسية في خدمة الثقافة وليس العكس، فلنجعل من السياسي في خدمة المثقف.
يجب أن يكون موضوع المثقف مستقبلا، هو خدمة الوطن أولا والبحث عن آفاق كبيرة لتطوره، بعيدا عن كل مزايدات ومصالح ضيقة. يقول بيير جوزيف برودون: “وهل تتصور أنه بمجرد قول شيء ما، يصبح ذلك كافيا، بل لا بد أن يعلن على الناس في صخب، وأن يذكر مرارا وتكرارا”.