محمد مهدي الجواهري شاعر العرب الكبير
بقلم : عبدالله العبادي
إنه بلا شك أحد أكبر الشعراء المعاصرين من مواليد سنة 1899 بالنجف ووافته المنية سنة 1997 بدمشق، يعتبر من بين أفضل الشعراء العرب في العصر الحديث، من عائلة نجفية عريقة ومثقفة، كان أبوه عالما كبيرا، فأراد لابنه أن يكون عالما دينيا فألبسه ثوب العلماء وهو في ريعان شبابه، كما كان جده شيخا ويدعى محمد حسن صاحب الجواهري والذي ألف كتابا في الفقه تحت عنوان: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام.
تعلم محمد مهدي الجواهري القراءة والكتابة مبكرا كما قرأ القرآن على يد شيوخ كبار، وكان يصاحب أباه إلى مجالس العلماء وهو فتى صغير، فأثرت هذه المجالس في شخصيته. كان يطلب منه والده، حفظ خطبة من نهج البلاغة وقصيدة من ديوان المتنبي. أظهر الشاعر الصغير ،ميلاً منذ نعومة أظافره، إلى الأدب فكان يقرأ في كتاب البيان والتبيين، ومقدمة ابن خلدون ودواوين الشعراء ، كما نظم الشعر وهو صغير جدا، متأثراً بالبيئة الثقافية التي نشأ فيها ، واستجابة أيضا لموهبة كامنة فيه.
كان قوي الذاكرة، سريع الحفظ، يحكى عنه أنه في إحدى المرات حفظ 450 بيتا في ثمان ساعات ليفوز بهدية من أبيه. كان أبوه يريده عالم دين لا شاعرا، لكن الموهبة فاقت رغبة الأب الذي كان يريد أن يراه على سيرة الأجداد، لكن في سن الثامنة عشر توفي أبوه، فحزن الشاب كثيرا لكن سرعان ما عاد لينهل من العلم والفلسفة ودروس البيان.
نشر أول قصائده بالعاصمة بغداد في سن الثانية والعشرين، ثم بعدها بعامين نشر كتيبا عنونه حلبة الأدب، وهو عبارة عن معارضة لقصائد العديد من الشعراء المعاصرين. اشتغل بالتدريس في بداية حياته المهنية ثم بالصحافة وأصدر جريدة الفرات قبل أن تعود الحكومة وتلغي امتيازها، كما عمل أيضا كاتبا بالبلاط الملكي. سجن لعدة أشهر بعد انقلاب بكر صدقي على حكومة ياسين الهاشمي، فعاد لمزاولة الصحافة بعد خروجه من السجن اختار لجريدته الانقلاب إسما جديدا هو الرأي العام، التي كانت ذات خط تحريري يساري، خصوصا مع بداية الأربعينيات والحرب العالمية الثانية.
في سنة 1946 أصدر الجواهري جريدة صدى الدستور، بعدها بسنتين سافر مع وفد صحافي إلى العاصمة البريطانية، فلم يعد مع الوفد، بل مكث في لندن لسنين ثم سافر إلى باريس ثم رحل إلى مصر قبل أن يعود لبغداد. في بداية الخمسينيات أصدر ديوانه الجديد ضم قصائده المشهورة في الأربعينيات. بعد ذلك انتخب رئيسا لاتحاد الأدباء العراقيين ونقيبا للصحافيين، واعتقل سنة 1952 بسبب المشاكل السياسية في البلاد آنذاك ومواقفه المؤيدة أو المعارضة أحيانا.
بعد خروجه من السجن عاد ليصدر جريدة جديدة تحت إسم الجديد، بعد ثلاث سنوات غادر بغداد في اتجاه دمشق ليتولى تحرير جريدة الجندي التي كانت تصدرها رئاسة أركان الجيش السوري. لكن سرعان ما عاد لبغداد بعد سنة، وبعدها وقع انقلاب عبدالكريم قاسم، تحمس الجواهري كثيرا وأعاد إصدار جريدته القديمة الرأي العام، وانحاز لصف اليسار وناصر الشيوعيين، مما خلق له مشاكل ومضايقات كثيرة غادر على إثرها إلى بيروت ليستقر به المقام سبعة أعوام بالعاصمة التشيكية براغ، ضيفا على اتحاد الأدباء التشيكيين.
لكن الجواهري لم يرتاح له بال إلا بعودته للعاصمة بغداد سنة 1968، وتمت إعادة انتخابه رئيسا لاتحاد الأدباء العراقيين مرة أخرى وخصصت له الحكومة راتبا تقاعديا اعترافا بقيمته ومساره وما قدمه للفكر والأدب والصحافة. من دواوينه بريد العودة وأيها الأرق، ترأس وفد العراق مرارا لملتقيات فكرية وثقافية بمصر والمغرب والأردن وسوريا والعديد من الأقطار، كرمه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بأعلى وسام في سوريا، البلاد التي فضل الاستقرار فيها في نهاية حياته وبالضبط بدمشق.
دمشق التي دفن بها سنة 1997 بعد حياة مليئة بالأحداث، وبعد أن عاصر وعايش العديد من الأحداث والحربين العالميتين وعدة انقلابات وصراعات سياسية في الداخل والخارج، إنه الجواهري الذي جال جل العواصم العالمية فتعلم الكثير، وعاش بقرب العديد من المفكرين والأدباء.
بعد قرابة قرن من العطاء انطفأت شمعة الشاعر محمد مهدي الجواهري شاعر العرب الأكبر، شاعر الأجيال العديدة، فقد تمرد وتحدى ودخل معارك كثيرة ودخل السجن مرات عديدة، لكنه ناصر القضايا التي يؤمن بها، وكان شاعرا مناضلا وصحافيا ثائرا.
عاش من أجل قضايا العراق لكنه مات حزينا من أجله، مات الجواهري والعراق حزين جدا فقد قال معبرا عن ما آلت إليه الأوضاع:
ولا تعجبوا أن القوافي حزينة فكل بلادي في ثياب حداد
وما الشعر إلا صفحة من شقائها وما أنا إلا صورة لبلادي
فلا تذكروا عيشي فان يراعتي ترفع عن تدوينه ومدادي
أمر من الملح الأجاج مواردي وأوجع من شوك القتادة زادي