السؤال المحير دوما: لما كل الحروب تدور رحاها في عالمنا العربي؟ سؤال عميق في جوهره رغم العديد من الأجوبة السطحية التي تحاول ربطه بالدين أو الثروة النفطية، أكيد كلها أجوبة مقبولة ومنطقية، لكن أليس العيب أيضا في الشخصية العربية أو الإنسان العربي الإنهزامي. إنها وجهة نظر ولا داعي للتأويلات، ليس جلدا للذات لأنها لم تعد تتحمل المزيد من الجلد لكنها وقفة تأمل لما نحن عليه.
دول ومدن تباد بالكامل ونحن نتحدث عن الوحدة والتضامن، وإخوة أثرياء ينفقون ما يبني مدنا بالكامل في ليالي وسفريات، أبراج تتحرك وأضواء ليلة رأس السنة تبني دولا من جديد، أطفال يموتون جوعا في اليمن والنيجر وهنا وهناك ونحن نتحدث عن منظمات دينية ومؤتمرات توحدنا، ألا يعد هذا انفصام في الشخصية العربية التي أصبحت تجيد متعة المشاهدة والمواكبة والحسرة دون أن تكون فاعلة؟
كما أن تعاظم الثراء في بعض البلدان العربي وانفصاله عن العمل على بناء الفرد- الإنسان لم يخلق سوى هوة كبيرة بين الإستهلاك التكنولوجي المفرط وعقلية لا زالت متحجرة إلى حد كبير. فالثروة لم تستغل بالشكل السليم والذي يجعل من الفرد أولوية أولى، قبل استيراد التكنولوجيا الجاهزة، فالبناء يبدأ من الأسفل وليس من الأعلى فالفرد هو من يوجد العلم والتكنولوجيا وليس العكس.
نحن بحاجة اليوم كعرب إلى وقفة هادئة ومتأنية نحاول من خلالها أن نقدم بحثا نقديا وعلميا وبموضوعية حول طبيعة الواقع الإجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني، بهدف ضمان استمرارية وجودنا وتواجدنا كأمة لها تاريخ وتتطلع إلى مستقبل يعيد لها كرامتها ويضعا على السكة الصحيحة بين الأمم، وتجديد الخطاب في كل شيء، يطرح نفسه كبديل ومشروع عربي جديد، يهدف إلى توحيد الرؤى والمصالح ودو قيمة إيجابية للعمل والتغيير. إذن نحن بحاجة إلى ثورة معرفية أولا تسبق الثورة السياسية، والتحول الإجتماعي شرط ضروري لإنجاح التحول العام المرتقب.
يذهب كارل ماركس في نقذه للرأسمالية إلى أن سيرورات التفكير وإنتاج المعارف لا يمكن أن تكون غير مرتبطة بعلاقات العمل والإنتاج. فالتفكير النقدي الحقيقي بالنسبة إليه، يجب أن يقدم البرهان عن مقدرته على تحليل الواقع الإجتماعي والطريقة التي ينخرط الأفراد بواسطتها فيه. ونقد الإقتصاد السياسي هو نقد لتناقضات العمل، وفي الوقت عينه للاقتصاد حيث تعقد وتتبلور علاقات إجتماعية وعلاقات بين أشخاص والتي يدعوها ماركس مجردة. كما أن هذا التفكير لا يركز فقط على لا عدالة الرأسمالية ولا إنسانيتها, إنما يركز على ما يشكل ويميز الرابط الإجتماعي. والقيام بنقد الواقع العربي العام (اجتماعيا – سياسيا – اقتصاديا – دينيا ) يعني إذن إبراز شروط النقد الفاعل وتقديم طرق التفكير في طريقة مختلفة.
لسنا بحاجة إلى تطبيق نظريات جاهزة بل نحن بحاجة إلى تفكير عميق في كل الإنتاجات البشرية والتي تساعدنا على قراءة واقعنا بدقة متناهية ونقده ودراسته بشكل موضوعي ومحايد بعيدا عن كل التعصبات الإيديولوجية التي سقط فيها العديد من مثقفينا.
فماركس لم يجعل من الصراع الطبقي مفتاح قراءة كل المجتمعات, كما أنه لم يبن مفهوم الإنتاج الاجتماعي على قاعدة الإنتاج وإعادة إنتاج الحياة (الأكل والملبس والسكن وو…) بل على قاعدة إنتاج وإعادة إنتاج الأفراد وعلاقاتهم الاجتماعية. الثورة في نظره، تعني التحول الشامل للعلاقات الاجتماعية، وأن هذا التحول ممكن لكنه ليس أمرا حتميا. إلا أن الأمر لا يتعلق بضرورة الممكن المرتبطة بحدث القطيعة الذي يتسبب به الفعل الجماعي، ومفهوم الثورة عند ماركس لا يحمل معاني محددة في الحاضر بل يمتد إلى المستقبل.
الغريب في الأمر أن الإعلامي والمثقف والمفكر، لا أحد يريد أن يفسر أي شيء ولا يريد أن يبحث عن أي شيء، في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتغير الوقائع بشكل سريع جدا، وفي عالم تتجدد معالمه الجيوسياسية كل يوم، نحن بحاجة لعقل نقدي بناء ووقفة مع الذات حتى لا نتوه أكثر.