عبدالرحمان بدوي أو الفيلسوف الوجودي
فيلسوف مصري، أحد رواد الفكر الفلسفي العربي خلال القرن العشرين، بما قدمه من جهود فلسفية أضاءت المشهد الثقافي والفكري برؤى مغايرة انحازت إلى التجديد في بنية العقل العربي، لقبه المهتمون بالفلسفة العربية بالفيلسوف الوجودي لشدة تأثره بالفيلسوف الألماني مارتن هايدكر، اعتبر من أبرز الفلاسفة العرب المعاصرين إنتاجا إذ تجاوزت كتاباته أكثر من 200 مؤلفا بين تأليف وتحقيق وترجمة، كتابه الأول صدر سنة 1939 عن نيتشه.
ابن قرية شرباص بدمياط، كان أبوه عمدة المنطقة فكان من أعيان القرية، لذلك عارض عبدالرحمان بدوي بشدة سياسات التأميم الني نهجها جمال عبدالناصر. ولد أثناء الحرب العالمية الأولى سنة 1917، كان الخامس العشر من بين إثنان وعشرون أخا وأخت، كان شغوفا بالعلم وتلميذا مثابرا حصل على المرتبة الثانية على مستوى الجمهورية في امتحانات الباكالوريا. التحق بقسم الفلسفة بجامعة القاهرة (جامعة الملك فؤاد الأول آنذاك)، وأثناء مسيرته الدراسية حصل على فرصة السفر لتعلم اللغات بألمانيا وإيطاليا قبيل الحرب العالمية الثانية.
تحصل على الليسانس في الفلسفة عام 1938 ثم الماجستير سنة 1941 تحت إشراف الفيلسوف الفرنسي أندري لالاند ومواطنه ألكسندر كويري تحت عنوان مشكلة الموت في الفلسفة المعاصرة. ورسالة الدكتوراه عام 1944 بعنوان الزمان الوجودي، عاشر كبار المثقفين في عهده وبنفس الجامعة كطه حسين، مصطفى عبدالرازق واحمد أمين الذي كان عميدا للكلية، والذي كان على خلاف كبير مع الطالب عبدالرحمن بدوي.
عمل مدرسا للفلسفة بجامعة القاهرة وجامعة عين شمس (جامعة إبراهيم باشا سابقا)، كتب أولى مقالاته في مصر الفتاة عام 1935، واستمر بالتدريس والكتابة والسياسة، حتى غادر مصر بعد ثورة 23 يوليو التي جردت عائلته من كل أملاكها، ليتنقل لسنين طويلة بين بيروت وبنغازي وطهران ويستقر به المطاف في معهد الدراسات الإسلامية بباريس.
إلى جانب التدريس مارس بدوي السياسة فكان عضوا نشيطا في حزب مصر الفتاة، ثم عضوا في الهيئة العليا للحزب الجديد، كما عين أيضا في لجنة صياغة الدستور لسنة 1953 والذي انتهي العمل منه سنة بعد ذلك، لكن تم تهميشه واستبدل بدستور سنة 1956.
في كتابه «الصوت والصدى.. رؤية جديدة في مشروع بدوي الفلسفي»، يقول أحمد عبد الحليم عطية، يمكن لنا إذا ما أردنا تفسيرا دقيقا لجوانب هذه الشخصية الخصبة العميقة المتناقضة، أن نتوقف عند الأسس الفلسفية التي اعتنقها بدوي، وهي النزعة الوجودية التي قدم فيها إبداعاته، فتوجهه الوجودي نابع من اهتمامه الكبير بفلسفة نيتشه وهايدجر.
كان عبدالرحمان بدوي يحمل مشروعا فلسفيا متكاملا يجمع بين الوجودية والتصوف الديني، فرغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت له، لكن واصل بناء مشروعه. لقد زاوج بين التحديث الأوروبي والبحث في جذور الفلسفة العربية، وقد عبر عن ذلك بقوله في سيرة حياتي التي كانت بمثابة سيرة ذاتية، بقوله “لقد وضعت هذا الكتاب داخل سلسلة سميتها خلاصة الفكر الأوروبي، والدافع إلى ذلك هو إحداث ثورة روحية في الفكر العربي، إذ وجدت أن السبيل إلى ذلك هو الاطلاع على الفكر الأوروبي الذي استطاع أن يحقق تقدما عظيما في الفكر الإنساني”.
كان من أكثر الفلاسفة معرفة ودراية بالفكر اليوناني، فيعبر عم ذلك بقوله “الآن وقد أمكننا تحقيق ما وصل إلينا من التراث الفلسفي اليوناني، وأتممنا نشره بين الناس فإنه يحق لنا أن ننظر نظرة إلى الوراء وأخرى إلى الأمام، نتأمل في الأولى عناصر هذا التراث، وكيف عرفه العرب، وفي الثانية نستخلص النتائج عن ماضي الثقافة العربية ومستقبلها على السواء”.
عايش عبدالرحمن بدوي فترة ولادة النهضة العربية من جديد مع بداية القرن العشرين، فعايش قاسم أمين وعبدالرحمان الكواكبي وطه حسين والشيخ مصطفى عبدالرازق وآخرون، عاشر أيضا كبار الفلاسفة الفرنسين، فحاول الجمع بين الاتجاهين ليبني مشروعه الفكري، لكن بدوي كان كباقي المفكرين العرب، ضايقوه وعاش مهاجرا بين الأقطار حتى وجد مستلقيا في شوارع باريس إثر وعكة صحية في سن 85، فأعادته السفارة المصرية إلى القاهرة في ربيع سنة 2002، وبقي طريح الفراش لمدة أربعة أشهر، ليغادرنا إلى دار البقاء صيف نفس السنة.