“محاربة الفساد”إرادة حقيقية من أجل مغرب الغد
هناك عمل جبار يقوم به القليل من السياسيين والمثقفين في المرحلة الحالية من أجل تجاوز الخلافات العالقة على كل المستويات وأيضا تفاديا لكل الانزلاقات التي يمكن أن تحدث، خصوصا وأن الوضع الحالي يتطلب تكاثف الجهود بين كل قوى المجتمع من أجل المرور بسلام إلى بر الأمان. فالمغرب اليوم يعيش مرحلة جديدة من تاريخه الحديث، حيث النجاحات الباهرة للدبلوماسية الخارجية والجهود المبذولة من اجل قضية الوطن الأولى والتي تحظى بإجماع وطني، وتتطلب منا المزيد من العمل على المستويين الداخلي والخارجي.
يمكنني القول اليوم أننا أمام فرصة تاريخية للمساهمة الجماعية في صنع حاضر يليق ببلد وشعب، يُنتظر الكثير من السياسة الداخلية اقتصاديا واجتماعيا لخدمة المواطن، في توفير شروط عيش كريمة وتحقيق العدالة المنشودة والمنتظرة منذ عقود. إذن كلنا مطالبون اليوم، أحزاب سياسية، منظمات المجتمع المدني والعامة، لبناء حاضر يليق بتطلعاتنا ومستقبل واعد لأجيالنا القادمة. الشيء الذي يمكن الأمة من العودة، وبقوة لصف الحضارات المتقدمة.
إذن نحن عائلة واحدة داخل هذا الوطن، وعلينا صيانته وحمايته، والتفكير فيه بتبصر وحكمة خدمة للمصالح العليا للوطن وتحقيق ديمقراطية عادلة تحمي الحقوق وتشجع على احترم الواجبات داخل مجتمع حداثي تقدمي يضمن العدالة المجالية والنوعية ويساهم في تنمية المجتمع بأكمله دون إقصاء أو تهميش لأي فرد أو جماعة أو جهة.
مهمتنا اليوم، محاربة الفساد ومحاصرة المفسدين، واحترام الانتخابات كفعل ديمقراطي يعبد الطريق لمجتمع مأمول بعيدا عن الممارسات السابقة. بناء وحدة الصف الداخلي، وبناء أحزاب قوية بكوادر مثقفة تحمل هم المواطن والوطن، وتحمل مشاريع واقعية وقابلة للتطبيق مما يقتضيه الشعور الوطني والانتماء لهذه البقعة الجغرافية، فرصيدنا التاريخي الجماعي يؤهلنا لصنع الغد المشرق.
الهدف رفع اللبس عن الأزمة التي تعيشها الأحزاب والنخب السياسية، والتي تغلغل الفساد لأوساطها في الكثير من الحالات، والتي لا تقوم الآن إلا بإنتاج المفاهيم القديمة المستهلكة والتي لا تساهم إلا في إدامة الفساد ولا تحمل أي مشروع مجتمعي أو بديل. فأحزاب اليوم والنخبة السياسية عموما انشغلت بصراعات طبقية ضيقة لا تخدم مصالحها ولا مصالح الوطن، بعيدا عن طرح مشاريع بديلة تخدم تطلعات وطموحات الناس وخصوصا المهمشين والفقراء.
فالأحزاب السياسية التي لا تشتغل على إعادة بناء ذواتها وبرامجها، تعتبر اليوم جزءا من المشكل المطروح وليس طرفا في الحل. فالثقة المفقودة بين العامة والسياسيين وليد هذه الأزمة التي تعيشها الأحزاب اليوم والنخبة المتحكمة فيها والتي تسيطر على دواليب السلطة، ولا تسمح بالتغييرات التي يمكن أن تعصف بمواقع قيادييها، مما جعلها عائقا أمام التعبيرات التغييرية الجديدة والتي يحملها جيل جديد من السياسيين الحاملين لأفكار تنويرية ساعين لخدمة الوطن بكل صدق وإخلاص وكفاءة عالية.
حان الوقت، لنقول الأشياء بمسمياتها وأن نخاطب المفسدين مباشرة وأن زمنهم قد ولى، وأن عصر الفساد انتهى وانتهت مهامهم أيضا، والمرحلة اليوم بحاجة لشرفاء الوطن لتنزيل مقتضيات الدستور والفصل بين الخطابات الانتخابية والعمل الميداني الواقعي.، نحن بحاجة للغة جديدة، وفاعلية جديدة تحارب النخب الفاسدة وتضمن حرية الاختيار بشكل شفاف ونزيه، واختيار ممثلين يحمون البلاد والعباد، بعيدا عن المصالح الشخصية أو الحزبية الضيقة.