بقلم: نور الدين بلحداد
ألقى صاحب الجلالة الملك محمد السادس خطابا ساميا لشعبه الوفي بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لجلوسه على عرش اسلافه الميامين، وتضمن الخطاب السامي عدة جوانب سياسية واجتماعية ودينية وطبية واقتصادية.
كلها تشغل بال مولانا أمير المومنين لتحسين حياة شعبه الوفي وتجنيبه ويلات ما يعيشه العالم اليوم، من حروب وأوبئة وجفاف، وغلاء في اقتناء مستلزمات الحياة ، من مواد غذائية ومصادر طاقية.
لكن ما شدني في خطابه الكريم تلك النفحة الدينية والخصال النبوية الموروثة عن جده النبي العدنان ، والمتمثلة في بسط يديه الكريمتين لإخوانه الجزائريين، لا خوفا ولا نفاقا ولا لغرض في نفس يعقوب، ولكن لاسترجاع الثقة واستحضار اواصر الجوار والتاريخ والدم المشترك والمصاهرة الربانية والدينية، التي جمعت بين الشعبين المغربي و الجزائري.
وأشار جلالته على عدم قبوله أن تسب الجزائر، او يتطاول احد على رموزها وعلى نضالها، انها قمة التضامن والتسامح التي جبل عليها السلاطين العلويين منذ اعتلاءهم عرش المغرب، ومن خلال هذه النفحات المحمدية التي تضمنها الخطاب الملكي، استوقفتني العديد من الأيادي البيضاء للعلويين، تجاه إخوانهم الجزائريين، بدء من السلطان مولاي محمد الأول، الذي اجتاز وادي تافنا سنة 1653 للتصدي لأطماع الأتراك، ورفع ظلمهم وجورهم على إخوانه في الدين واللغة والجوار اهل الجزائر.
وتجددت نفس الخصال والوشائج، مع أخيه السلطان الأعظم مولاي اسماعيل الذي انتفض في وجه الأتراك، وطالبهم بعزل حكامها على الجزائر بسبب تعسفهم وطغيانهم، اما حفيده المصون السلطان محمد الثالث، فقد سجل له التاريخ بمداد من الفخر والاعتزاز، عدة وقفات أخوية، مع إخوانه الجزائريين فقد كانت له أيادي بيضاء في فك أسر العديد منهم، من سجون إسبانيا وفرنسا وجنوة وصقيلية والسويد.
وسجل له التاريخ كذلك عتابه الشديد على السلاطين العثمانيين، الذين تهاونوا في فك أسر المجاهدين الجزائريين من سجون المسيحيين، زيادة على تصديه للأسطول الحربي الأمريكي، الذي حاول قنبلة الجزائر وطرابلس وتونس.
وبنفس الشهامة وعزة النفس العلوية وقف السلطان مولاي عبد الرحمن، وقفة الرجال الأوفياء للدفاع عن جيرانه آهل الجزائر، أثناء محنتهم ونكبتهم مع المستعمر الفرنسي سنة 1830 ، وتحمل مرارة الهزيمة في معركة ايسلي سنة 1844، ولم يترك أهل الجزائر متشردين بل أواهم وأكرم وفادتهم، وفتح لهم قلبه الرحيم قبل أن يفتح لهم أبواب مدن وجدة وتطوان وفاس، وأعطى تعليماته لخدامه بحسن استقبالهم وتوفير المسكن والغذاء، والعمل لهم وأسدل عليهم أردية الإحترام والتوقير.
وبنفس الشهامة والنخوة العلوية تجدد الوصال والاتصال بين الشعبين الأخوين في عهد الملك البطل محمد الخامس، الذي لم يكتف باستقلال بلده، بل دفعته نخوته العربية وحميته الإسلامية إلى مؤازرة ومساندة إخوانه الجزائريين، في حربهم مع المستعمر الفرنسي، فامدهم بالمال والرجال والسلاح، وناصر قضيتهم بالأمم المتحدة وفضح الانتهاكات الفرنسية، وأعلنها صرخة علوية مدوية: “ارفعوا أيديكم القذرة على الشعب الجزائري وامنحوه استقلاله وحريته” وفتح هو الآخر مدن المغرب للمجاهدين وزعماء هم بن بلة وبومدين وبو تفليقة وعباس لمساعدي وبو ضياف، وسمح لهم بتاسيس اذاعتهم بوجدة والناضور.
وحذا حذوه وارث سره الملك الحسن الثاني رحمه الله واسكنه فسيح جناته وناشد إخوانه الجزائريين، إلى طي صفحة العداء والجفاء، وفتح الحدود لإحياء ملحمة الآباء والجدود.
واليوم هانحن والعالم باجمعه يرى يد محمد السادس النقية والبيضاء، تمتد نحو إخوانه الجزائريين لنبذ الاحقاد ودفن الخلافات واستشراف المستقبل لبناء غد افضل لأبناء البلدين انها لحظات تاريخية تستحق التوقف عندها لتحليل ابعادها ومعرفة مقاصدها الدينية والاخوية، فهل من مجيب؟ وهل هناك رجل راشد وزعيم واعد؟ يستطيع أن يقرب بين الشعبين ؟ وله أجر كبير من الخالق عز وجل.