يحكى أن شخصا في قرية ما، اشترى حمارا، وأحبه كثيرا، فأراد أن يجعل هذا الحمار سعيدا، فصعد به إلى سطح المنزل المطل على القرية وأزقتها وحقولها الشاسعة، كان السيد يعتقد أنه يسعد الحمار وهو يتمتع بجمال ونقاوة هواء البلدة من فوق سطح البيت.
في المساء، أراد الرجل إنزال الحمار إلى الحظيرة لينام مع باقي الحيوانات، لأنها مكانهم وليس السطح، ففكرة السطح كانت فقط لتسليته والترحيب به كقادم جديد للمنزل. إلا أن الحمار رفض، فقد أعجبه السطح، منظر جميل يطل على القرية ويتيح متعة لا تعوض، فقرر البقاء هناك في الأعلى، ومن منا لا يحب أن يبقى في العلى.
حاول صاحب المنزل إرغامه على الهبوط لكنه فشل في محاولاته، فالحمار قرر المكوث هنا. أعاد المحاولة مرارا بلا جدوى، لكن الحمار لم يقبل الهبوط، فربما لن تتاح له الفرصة مرة أخرى للصعود. سحبه صاحبه بقوة لكن الحمار مصر على موقفه فأخذ يدق رجليه على سطح المنزل بقوة، فأخذ سقف البيت المتآكل يهتز، فما كان على السيد إلا أن أخرج عائلته خوفا من سقوط السقف والبيت العتيق بكامله.
بعد لحظات من الانتظار، سقط السقف وانهار المنزل بالكامل وسقط الحمار أيضا، فخسر السيد منزله وحماره، فقد أتى بالحمار للحرث وأعمال الفلاحة، وها هو بسببه يخسر ماله ومنزله، فالعيب ليس في الحمار، العيب في الشخص الذي أوصله لسطح البيت.
لا يلام الحمار الذي أصر على البقاء في الأعلى، يلام من عمل على إيصاله للسطح، من أراد أن يريه ما لم يكن يراه، فالحمار ليس مؤهلا لذلك، والسطح ليس مكانه الحقيقي بل الحظيرة.
هكذا هم البشر، هناك الكثيرون الذين لا يستحقون السطوح، فهم غير قادرين على التأقلم مع هذا الوضع الجديد والمريح، وسيصعب أن يطلب منهم النزول، فهم لن ينزلوا أبدا إلا إذا تسببوا في هدم البيت كاملا.
هكذا هي بعض مواقع القرار في مجتمعاتنا المعاصرة، حين تعين من لا يستحق هذه المسؤولية، فإنه لن يتنازل عن ذلك الكرسي أو المنصب إلا بهدم البيوت. وانهيار البيوت هو انهيار المنظومات، وانهيار القيم وانهيار الأخلاق، وموت الضمير وحب المال والسلطة والجاه، ونسيان المواطن والوطن.
فكم هي عدد الحمير التي تعشش فوق سطوح منازلنا، كم هي عدد النفوس المريضة التي لا تريد لهذه البقرة الحلوب أن تختفي، لا حصر لهم أكيد، بالعكس فهم يتوالدون ويتوارثون هذه البقرة الحلوب. يصعب إحصاؤها ويستحيل إنزالها، فما العمل؟
يتحمل المواطن القسط الكبير من المسؤولية، حين يصوت وحين لا يصوت، فحين يصوت، تصوب فئة قليلة لا خبرة لها في المجال السياسي ولا البرامج الانتخابية، فهي تنتخب أرضاء لمفهوم العائلة أو القبيلة أو امتيازات أخرى، وتكون فعلا الفئة المؤثرة في الانتخابات وفي النتائج رغم نسبتها الضئيلة. أما تلك التي لا تنتخب فهي الطامة الكبرى، فهي تشارك بلا وعي في وصول هذه الفئة لمواقع القرار، وبعدها ستقوم لتشتكي من مستواها ومن برامجها ومن وعودها.
إذن هي مسؤوليتنا جميعا، إنها ورطتنا الجماعية للأسف والتي لا بد أن نجد لها حلا، لكي لا تهدم منظوماتنا بالكامل. أحسنوا الاختيار إنه مستقبل أمة ومستقبل أجيال.