يتحدث اليوم، الكثير من المراقبين والصحفيين النزيهين في الغرب أن معظم الحروب التي شنها الغرب في البلاد العربية أو غيرها كانت تحت ذرائع واهية، في اليمن كما في أفغانستان، كما البحث عن أسلحة الدمار الشامل بالعراق أو تحرير ليبيا من ديكتاتورية النظام القائم. أمثلة كثيرة لا حصر لها، استعمل فيها الإعلام والإعلاميين بشكل غير معقول، وغطى على الأهداف الأساسية للحروب.
إنها لعنة الإعلام وماكينات التحكم في مسارات الرأي العام وقدرته على تحويل الأفكار وفبركتها بالطريقة التي تصل كما يجب لعقل المتلقي وإقناعه بها والإيمان أيضا بمحتواها، قوة الإعلام لم تتوقف يوما عن صنع عالم خاص بها حين يجب ذلك، وعن صنع العالم الذي تريده للعالم حين يتطلب الأمر ذلك.
الناس يخشون من الفيلسوف والسياسي، فالأول لجهل الكثير من الناس بفكره وآرائه، فهي تتجاوز معارفهم ومداركهم، وأنه اكيد يعيش ويرى الحياة بطريقة مغايرة لهم وعن ما اعتادوه. أما الثاني، فهو غامض أيضا، لكن بطريقة تختلف شيئا ما عن الفيلسوف، من خلال إيهام الناس ببرامج ووعود لا منطقية ولا عقلية، وكثرة ارتداء الأقنعة والتلوينات، فهم بمثابة الأشخاص الذين يعتبرون كل الوسائل مبررة في سبيل الوصول إلى الغاية بلغة ماكيافلي.
فالناس في الماضي كانوا يخشون من السياسي والفيلسوف، اليوم الخوف صار كبيرا من الإعلامي والآلة الإعلامية، وكيف استطاعت هذه الآلة ولعقود من فبركة الحقائق والكذب عن الناس، وصنع واقع من الخيال من أجل أطماع السياسة والتوسعات الإمبريالية.
يرى عبد الله إبراهيم أن المثقف يلعب دورا أساسيا في تحرير الفكر داخل المجتمع المدني، ذلك أنّ الكاتب أو المثقف في جميع مظاهر نشاطه يشبه المهندس، فكما أنّ المهندس يخطط البناءات بقواعد فنية معلومة، كذلك المفكّر ورجل الثقافة هو مهندس العقل، هو الذي يهندس عقل الأمّة ويخطط اتجاهها الفكري.
ومن المعلوم أنّ النخبة المثقفة كانت تؤطر وتوجّه النخبة السياسية وتكبح مكبوتاتها وأطماعها في استغلال السلطة والمال العام، لكن النخبة السياسية تحاول دوما نزع القيود والأغلال عنها.
يقول محمد عابد الجابري: إذا غابت الحرية صعب على المفكر الحر التعبير عن رأيه وشعوره، إذا سوف تكتفي النخبة المثقفة بالسكوت أو الهروب باحثة عن واقع أفضل وحياة أحسن، فاسحة المجال للنخبة السياسية، لكي تبقى بدون مراقب وبدون مؤطر.
إنّ السياسة أخلاق مرتبطة بالوعي الحضاري والثقافي لمجتمع ما؛ أي المجال الذي تمارس فيه السياسة، كلما وُجد وعي سياسي عالٍ وراق ومستوى ثقافي، كانت هناك أخلاق للسياسة. وكلما وُجد حوار ونقد وجدال غابت الصراعات العقيمة. وكلما وُجد القلم والعلم غاب العنف. وهنا يمكن أن نتساءل بشكل جدي: كيف يمكن جعل السياسة أخلاقا داخل المجتمعات التي زالت تعاني التخلف الفكري والثقافي والسائرة في طريق النمو؟
أفلاطون فيلسوف الإغريق في محاوراته اعتبر أنّ الديمقراطية حكم الرعاع، كما اعتبر أنّ الانتخابات ليست هي الوسيلة لتحقيق الديمقراطية، لأنّها تنتج بالضرورة حكومة الغوغاء بلغة تلميذه سقراط. ومردّ ذلك إلى أنّ المجتمع ينقصه الإعداد الكافي في التربية والتعليم لاختيار أفضل من يمثله وأفضل البرامج.
كما تحدّث نعوم تشومسكي عن “ديمقراطية البروباغندا الإعلامية وأدلجة الرأي العام”. وتحدث ألان باديو عن “وهم الديمقراطية”. وجون لوك نانسي عن “ابتذال مفهوم الديمقراطية وسقوطها في اللامعنى”.
إذن نحن أمام إشكاليات كبيرة تؤرق المثقف والسياسي والعامة، أسئلة كبيرة لمجتمعات كثيرة عن الوضع الراهن وخطط النهوض، أسئلة تخلى عنها الباحث والمثقف لصالح السياسي والإعلامي المبرمج، لإيجاد الحلول المناسبة، وهنا الطامة الكبرى.