الفلاحة المغربية..الطريق نحو الاكتفاء الذاتي
يوجد المغرب ضمن الخمس اقتصادات الرائدة في إفريقيا، ويتعدى ناتجه المحلي حوالي 104 مليار دولار، نظرا لموقعه الاستراتيجي والأمن والاستقرار الذي يتمتع به مما يشجع ويجلب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى مناخه ومساحاته الخضراء وكذا غناه بالمعادن والثروات الطبيعية وطول سواحله المطلة على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، التي تقدر بحوالي 3512 كيلومتر غنية بثروات سمكية، مما يجعل من الصيد البحري نشاطا حيويا أيضا.
ما تتميز به المملكة أيضا كثرة الوديان والأنهار والمنابع المائية المنتشرة في جميع المناطق، وما يميز هذه الأنهار أنها تنبع من أراضي مغربية وتصب في سواحل مغربية، ولا تشاركها مع الدول المجاورة. كما أن سياسة بناء السدود التي نهجها المغفور له الحسن الثاني ساهمت بشكل كبير في تطوير القطاع الزراعي بالمملكة.
ورغم الاستثمارات الصناعية المتزايدة بالمملكة، لازال النشاط الفلاحي يحتل مرتبة مهمة في الاقتصاد الوطني، وتعد الفلاحة أحد أعمدة الاقتصاد الوطني حيث تشكل حوالي 15 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وتشغل أزيد من 34 بالمائة من اليد العاملة وتشكل أيضا جزءا مهما من الصادرات الوطنية. يتعدد الإنتاج الزراعي بالمغرب ويتنوع باختلاف المناطق والجهات والتساقطات المطرية والزراعة السقوية.
تقتصر الفلاحة الحديثة على حوالي 20 في المائة من الأراضي الزراعية في حين تنتشر الفلاحة التقليدية وتستخدم حوالي 80 في المائة من الأراضي الزراعية وتشغل حوالي 90 في المائة من اليد العاملة في المجال الفلاحي.
وتواجه الفلاحة التقليدية بالمغرب العديد من التحديات تتمثل في ضعف الإنتاجية، غياب التقنية العصرية في العمل، الجفاف الذي يضرب البلاد من سنة لأخرى، وغياب المتابعة الجيدة للتمويل عبر القروض، بالإضافة إلى أنها لم تعد تستقطب الشباب القروي لمزاولتها لضعف المردودية وضعف الدخل. إلا أن الأزمة الروسية الأوكرانية أبانت على خطأ فكرة التركيز على زراعة الحبوب بشكل كبير، اليوم زراعة الحبوب سيكون لها دور اكبر لتحقيق الأمن الغذائي، من زراعة بعض الفواكه التي تستنزف الفرشة المائية.
في حين تواجه الفلاحة العصرية أيضا العديد من الصعوبات كارتفاع قيمة الاستثمار مقارنة مع مردودية الإنتاج، ضعف القدرة على التسويق، الاعتماد على أسواق محددة وتعاني أيضا من المنافسة على المستوى الدولي.
ومن أجل النهوض بهذا القطاع الحيوي وتفاديا لكل الصعوبات التي تواجهها الفلاحة العصرية أو التقليدية تم اعتماد المخطط الأخضر للنهوض بالفلاحة المغربية والعمل على تطورها كأحد أعمدة الاقتصاد الوطني. الهدف من المخطط الأخضر كان أيضا جلب استثمارات الخواص للرفع من المنتوج ومن التنافسية لتحقيق تنمية فلاحية متكاملة ومستديمة هذا بخصوص الفلاحة العصرية. أما بخصوص الفلاحة التقليدية فالمخطط الأخضر يهدف بالأساس لمحاربة الفقر وتحسين دخل الفلاحين الصغار بالعالم القروي وخصوصا المناطق الهامشية.
وبعد قرابة عقد من الزمن من بدء العمل بالمخطط الأخضر، نلاحظ نتائج إيجابية تلوح في الأفق كارتفاع الصادرات ب30 بالمائة، تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى اللحوم والخضر والفواكه وأيضا ارتفاع مهم في قيمة الاستثمارات الموجهة لهذا القطاع الحيوي. كما أن المقاربات التي اعتمدها المخطط الأخضر أعطت بعض النتائج كدعم دور الدولة في التخطيط بتنسيق مع القطاع الخاص دون التدخل المباشر في عملية الإنتاج، أو تنظيم الفلاحين الصغار داخل تعاونيات مما يسهل تأطيرهم ومساعدتهم وتحسين مردودية الزراعات حسب خصوصية كل جهة.
ومقارنة مع دول الجهة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط لا زالت الفلاحة المغربية تعاني العديد من النواقص كاستعمال المكننة واستعمال البذور أيضا، وقلة القروض الموجهة للفلاحين الصغار، إلا أن المشاريع المهيكلة التي عرفها القطاع في العشرية الأخيرة مكنت من توفر القطاع على مرونة ومقاومة للظروف الصعبة المناخية منها والطارئة أيضا من خلال برامج توزيع الزراعات والمساحات المسقية.
برنامج الجيل الأخضر يتضمن أيضا توفير ظروف ملائمة لعمل الفلاحين الصغار من خلال التغطية الصحية والتقاعد من أجل تحفيز الشباب على العمل بالمجال الزراعي، وكذا تعبئة مليون هكتار من الأراضي الفلاحية وهو ورش كبير من اجل ضمان الأمن الغذائي للمغرب وأيضا دعما للشباب للاستقرار بالعالم القروي ومزاولة الفلاحة وتوفير المزيد من فرص الشغل.
استراتيجية الجيل الأخضر ستمكن الفلاحة الوطنية بأن تصير أكثر فاعلية ومضاعفة الناتج المحلي الإجمالي الذي يبلغ حاليا 12،3 بالمائة، كما يروم المشروع تعبئة حوالي مليون هكتار من الأراضي الجماعية التي من المتوقع أن توفر قرابة 350 ألف منصب عمل جديد، مما سيسمح بميلاد جيل جديد من الطبقة الوسطى الزراعية من خلال توفير الحماية الاجتماعية والتامين الزراعي وتحسين أجور العاملين بالقطاع.
كما أن السياسات المتبعة من أجل تنمية حقيقية للمجال يجب أن تستفيد من الدروس السابقة فيما يخص استعمال المياه والسدود وترشيد استخدامهما وتنويع الزراعات. كما يجب التشديد على عملية الرقمنة وأهميتها في تطوير هدا المجال الحيوي الشيء الذي سيعزز ربط الفلاح المغربي ببقية العالم وتوفير العديد من فرص التصدير وريادة الأعمال وتطوير مبادرات الأعمال التجارية.
الشيء الذي يدفعنا إلى التذكير بالحاجة الملحة إلى الإهتمام بالدور الحيوي للشباب وإدماجهم في التنمية الفلاحية، وإدراك الدور الذي يلعبه الجيل الحالي وعالم الرقمنة من اجل تسريع التنمية الفلاحية وتحسين إنتاجيتها، وتحسين تموقعنا اقتصاديا بالمنطقة المغاربية وأيضا عربيا وإفريقيا الشيء الذي سيسمح بفتح أسواق خارجية لتسويق منتجاتنا الزراعية خصوصا بالدول الإفريقية لقربها الجغرافي من المملكة وعدم الاقتصار فقط على الصادرات نحو الاتحاد الأوروبي.