في الصميم

بناء المغرب الكبير ونقمة الحقد الدفين

تشكل دول المغرب الكبير المنطقة الجغرافية لأقصى شمال القارة الإفريقية، وهي ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب وموريطانيا. تتميز بموقع استراتيجي فهي بوابة أوروبا وإفريقيا ونقطة التقاء الشرق بالغرب. تمتد على مساحة تقدر بحوالي 5.782.140 كلم2 وهو ما يشكل ما نسبته 42 %من مساحة العالم العربي، وبحدود ساحلية تقدر بحوالي 6505 كلم وبتعداد سكاني يقارب المائة مليون نسمة.

تجمع بين هذه البلدان الخمسة قواسم مشتركة أكثر مما يفرق بينهم، يجمعهم التاريخ والدين واللغة والجغرافيا. يجمع بينهم المصير المشترك وضرورة التكتل لمواجهة التحديات الإقليمية والعالمية في زمن التحالفات. فكان تأسيس الإتحاد سنه 1989 بمراكش ضرورة ملحة من أجل تطوير التعاون بينهم إقليميا وأيضا بلورة أفكار لشراكتهم مع الإتحاد الأوروبي. ونص الإتفاق على توثيق أواصر الأخوة وحسن الجوار وصيانة استقلال كل بلد وتحقيق السلام وحرية تنقل الأفراد ورؤوس الأموال الخ…

غير أن هذه التوصيات بقيت حبرا على ورق ولم تترجم على أرض الواقع – رغم الظرفية الملحة لضرورة التكتل الإقتصادي والسياسي- لوجود مشاكل جمة في السياسات المتبعة في كل الدول الأعضاء. حيث كانت الجزائر وليبيا من حلفاء المعسكر الشرقي في حين تربط تونس والمغرب علاقات وطيدة مع الغرب. إلا أن أكبر مشكل واجهه الإتحاد هو الموقف الجزائري من قضية الصحراء المغربية وهو ما جعل العلاقات المغربية الجزائرية غير مستقرة منذ عقود.

فالصحراء هي كيان جغرافي وليس شعبا، توجد هناك صحراء في كل من مصر وليبيا والجزائر والعديد من الدول. فالأقاليم الجنوبية للمغرب لم تكن يوما تشكل شعبا في حد ذاته بل منطقة كسائر مناطق المغرب. احتلت هته الأقاليم من طرف الإسبان واسترجعها المغرب بالمسيرة الخضراء سنة 1975، وفي نفس السنة أكدت محكمة العدل الدولية بلاهاي بشكل قطعي أن الصحراء لم تكن يوما أرضا خلاء وأضافت أن روابط البيعة كانت تجمع سكان المنطقة بسلاطين المغرب وأن هذه البيعة كانت هي الرابط السيادي الوحيد الذي يوحد بين المناطق المغربية الأخرى أيضا.

ظل مشكل الأقاليم الجنوبية للمغرب المشكل الوحيد الذي يمكن اعتبار حله الطريق الأمثل لبناء اتحاد مغاربي قوي، كما يتطلب أيضا تراجع بعض الأنظمة للدول الأعضاء عن مواقفها العدائية اتجاه الوحدة الترابية للمغرب. فالمغرب انسحب من الإتحاد الإفريقي سنة 1983 إثر اعتراف الإتحاد بالجماعة الإنفصالية، وهو يعود الآن بعد أكثر من ثلاثين سنة من الغياب للإتحاد بعد أن سحبت الكثير من الدول اعترافها، إثر تغيير في الفكر السياسي لأنظمة الدول الإفريقية وأيضا للعلاقات والتوجه الذي ينهجه المغرب في علاقاته مع الدول الإفريقية وتأكيد عمقه الإفريقي.

فهل ستنجح التغيرات الحاصلة بتونس وليبيا مستقبلا في إعادة إحياء المعاهدة والإتحاد، وهل ستكون 45 سنة من الدعم للجماعة الإنفصالية والعداء، كافية للجزائر لفهم أن الصحراء تراب مغربي وأن عهد التجزئة والإنقسامات قد ولى، وأن الحل الوحيد للنهوض بشعوب المنطقة هو التكتل والتكامل الإقتصادي لبناء دول قوية اقتصاديا على غرار أوروبا أو جنوب شرق أسيا. فالإتحاد الأوروبي لا تجمعهم لا اللغة ولا الدين ولا التاريخ لكن يجمعهم مشروع اقتصادي وسياسي مشترك.

نأمل خيرا في شباب الغد من أجل الضغط على الأنظمة لفتح الحدود بين الإخوة والعمل على تطوير البلاد المغاربية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا من أجل تنمية وازدهار شعوبها خصوصا وأن الثروات التي تزخر بها المنطقة تتكامل فيما بينها لبناء مشروع قوي موحد ومتكامل. ولما لا ضم مصر أيضا لهذا الإتحاد لتكون شمال إفريقيا قوة اقتصادية وسياسية يمكنها تغيير موازين القوى العالمية.

فالإتحاد أجهض قبل أن يولد بفعل سياسات عدائية لا تسمن ولا تغني من جوع، فقط تؤدي إلى إضعاف المنطقة وتأخير نهضتها وتكامل شعوبها. فالوقت قد حان لإعادة النظر في السياسات المتبعة وتصحيح ما يمكن تصحيحه لإحياء هذا الإتحاد الذي يمكن اعتباره نقطة التحول في تاريخ المنطقة وتفعيل آليات العمل المغاربي المشترك الذي يخدم مستقبل شعوب المنطقة الذين تجمعهم أواصر الأخوة والدم المشترك.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button