يقولون دوما إن كل رجل دولة هو رجل سياسي، وليس كل سياسي رجل دولة. إذن، وتبعا لهذا المفهوم، هناك صفات في رجل الدولة لا نجدها في رجل السياسة، وهي أكيد صفات حميدة بما أنها لا تتوفر لدى جميع ممارسي السياسة. لأن رجل الدولة يكون هدفه الأسمى خدمة الوطن أي الدولة أي المجتمع، في حين تقتصر نوايا السياسي في خدمة مصالحه والتي تعني خدمة الحزب حتى يضمن الاستمرارية فيه.
رجل الدولة هدفه الأسمى الدولة أولا، خدمة الدولة بكل تفاني، أي تحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجازات بعيدا عن ما يمكن أن يجنيه الحزب أو يخسره. فاستمرارية أداء رجل الدولة بهذه الطريقة هي ضمان لخدمة جيدة للشعب، والوقوف على مشاكلهم واحتياجاتهم.
كل دول العالم يحكمها سياسيون، وإلا لما كانت هناك حروب وصدامات ومشاكل دولية، فهم في أغلب الأحيان ليسوا رجال دولة بالمفهوم الحقيقي للمعنى. لذلك غالبيتهم يحكمون بما يمليه الحزب أو الإيديولوجيا المتبناة، وليس مصلحة الوطن الحقيقية، بل ربما مصالح شخصية ونخبوية، ويستغلون ما أمكن نفوذهم وسلطتهم لمصالح ضيقة قبل ترك السلطة لأشخاص آخرين.
وقد عبر عن مفهوم السياسي، الفيلسوف أفلاطون حين وصفه بالسفسطائي، أي الوصولي والانتهازي من خلال الالتصاق الدائم بالدولة ومؤسساتها، ويصعب عليه مغادرتها، لأن مصالحه الشخصية ستتضرر من جراء ذلك، فالهدف ليس خدمة الدولة بقدر ما هي أطماع شخصية، وفي الكثير من الأحيان لا يملك الفرد المؤهلات لشغل هذا المنصب، لكن الحزب والانتخابات أوصلوه.
رجل الدولة عكس ذلك، فهو لا يقبل أن يقتات على ما توفره له السلطة، وهو حين يتحدث أو يقرر في شأن الدولة، لا ينتظر ما يمليه الحزب أو النخبة، بل ما تقتضيه مصلحة الدولة أولا، أي يملك ضميرا حيا. إنه السياسي المحنك والنزيه، والذي يحظى باحترام كبير بين أبناء شعبه، فهو شخص يملك الجرأة والمبادئ والقيم لخدمة الدولة. احترام المواطن لرجل الدولة هو أكبر تقدير يحظى به، عكس السياسي المستنفع، فهناك فرق كبير بين الخوف والاحترام.
رجل الدولة الحقيقي يعي جيدا أن الأشخاص يتغيرون، والنخب زائلة، لكن الدولة باقية، لذلك يكون همه الوحيد خدمة الدولة. ومن علامات تقدم الممارسة الديمقراطية ببلد ما، هو كثرة رجالات الدولة المخلصين في مراكز القرار والمؤسسات العمومية وفي أجهزة الدولة.
فما أحوجنا إلى رجالات دولة حقيقيين، يمثلون الدولة بإخلاص، ويخدمون الدولة كما يجب داخليا وخارجيا، كم نحن بحاجة لنراهم على رأس مؤسسات الدولة، حتى لا نسمع خرجات غير محسوبة، لبعض المعتوهين الذين لا يفقهون لا في السياسة ولا في رجالات الدولة، فقط وصلوا بمحض الصدف.
الرجل السياسي المنتمي لحزب ما، عليه أن تكون مصلحة الدولة أولى، وأن يكون الحزب في خدمة الدولة، حتى يمكن نعته برجل دولة، لأنه سيصبح مرآة للشعب ومكانة الدولة، وكلامه ومواقفه تعبير عن حاضر وتاريخ ومستقبل أمة، إنه يمثل أجيالا بكاملها. إنها مسؤولية دستورية وسياسية وأخلاقية لرجل يمثل وطن، فهو لا يمثل نفسه ولا حزبه ولا قبيلته، إنه لسان شعب وصورة بلد. رجل الدولة مع الدولة أولا وأخيرا، أما السياسي فهو مع مصالح الحزب والأطماع الشخصية الضيقة