بقلم: عبد السلام البوسرغيني
لكي يدرك المرء سر تنظيم الحملات الإعلامية التي تشنها الأجهزة الجزائرية ضد المغرب ، إنطلاقا من القنوات التلفزية الرسمية وإلى أبسط وسائل الإتصال ، يجب أن يكون على إطلاع بالطرق المتبعة في هذا الميدان ٠
لقد جرت العادة لدى مختلف الدول أنه عندما يعتزم المسؤولون تنظيم حملة إعلامية في أي ميدان ، وبالأخص إذا كانت من صنف الحملة الموجهة ضد المغرب ، ان يتم دوريا تنظيم لقاءات تقتصر على المسؤولين في أجهزالاعلام الوطنية ، نطلق عليها في الأدبيات الإعلامية poin de presse ٠ ولما تتسم به الحملات التي تشن ضد المغرب ، أعتقد أن التمهيد لها وتنظيمها وتوجيهها يتم في تلك اللقاءات ، وبمساهمة المتخصصين المنتمين للمخابرات وحتى الأكاديميين ، وتبدو أهدافها واضحة عندما تلاحظ أن مختلف الفاعلين يتقاسمون نفس المواضيع والأفكار في تدخلاتهم ٠
ليس هدفي من هذا الحديث التعرض لما تركزعليه الحملات ، ولكن قبل تحليل ما أنا بصدده ، ويهم أساسا الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين ، أشير إلى أن الحملة تصب في محاولات تغليط الرأي العام الجزائري لجعله يقتنع بأن المغرب تحول إلى عدو للجزائر ويحاول الإضراربها ، وإيهام الجزائريين بأن المغاربة مسؤولون عن الأوضاع الصعبة التي يواجهونها في معيشتهم وحياتهم ٠
لقد دأب الاعلام الجزائري وبتعلمات ولا شك من المسؤولين ، على الإستشهاد بخطب الرئيس هواري بومدين وبثها يوميا تقريبا ، لما تتسم به من عنف في الخطاب وتأليب للرأي العام الجزائري ضد المغرب ، ويعتمد فيها على الكذب وينسبالأقوال المختلقة إلى المرحوم الحسن الثاني،. يدعي انها تعلن في نظره عزم المغرب على الإعتداء على الجزائر ، وبصيغة لا يستسيغها المنطق ولا تتطابق مع السلوك المتزن الذي عرف به رحمه الله ٠ولمحاولة إضفاء الصبغة الجدية لأقوال الرئيس بومدين يضفي المسؤولون والأكاديميون الجزائريون على الرجل وعلى عهده هالة من التمجيد ، على اعتبار أن فترة حكمه كانت أزهى فترات التاريخ المعاصر للدولة الجزائرية ٠
قد تكون لمن يفعلون ذلك مبرراتهم نظرا لما كانت الجزائر قد كسبته من نفوذ إقليمي ودولي على عهده ، ولما ساد البلاد من استقرار في الحكم وغير ذلك من المكاسب التي سرعان ما اهتزت بعد أن غيبته المنية في نهاية سنة ١٩٧٨ ٠ بيد أن ما واجهته الجزائر بعد وفاته من متاعب يرجع إلى طبيعة وأسس الحكم الذي أرسى قواعده والذي إعتمد على وجوده في الحكم لمدة قد تطول نظرا لسنه ولما يتمتع بقدرة على فرض وجوده ، وليس إعتمادا على ما ترسيه دولة المؤسسات وعلى ما تفرضها النظم الديموقراطية ،ومن ضمنها النظم الملكية القائمةعلى قاعدة مات الملك عاش الملك ولا تغيير في طبيعة الحكم ٠
وإذن يحق للمرء أن يتساءل : كيف عاشت الجزائر بعد غياب بومدين وهي مثقلة بالإرث الذي خلفه وراءه ، وأخطر ما خلف يتمثل في قضية الصحراء التي إتخذها من خلفه في الحكم عقيدة لا يمكن الطعن فيها ٠ كذلك فإن طبيعة النظام والحكم اللذين أقامهما وأسفرا عن نشوء إزدواجية في السلطة ، تهيمن في حظيرتها السلطة العسكرية على السلطة المدنية ، مع وجود جهاز للمخابرات ، تعاقب على تسيره رجال أشداء ، لم يستطيعوا التأقلم مع أي توجه ديموقراطي ٠
فمن يستطيع اليوم أن ينكر ما أسفر عنه النظام الموروث عن العقيد والرئيس هواري بومدين ؟ وإذ أقرن العقيد بالرئيس ، فلأنني ألح عليهما لأنهما وصفان يعكسان طبيعة حكمه ؟
فمن لا يتذكر والحالة هذه فترة العشرية السوداء ١٩٩٢ – ٢٠٠٢ وما خلفته من ندوب كان من الصعب تضميدها ، إذ قدر عدد ضحاياها بمأتي الف شخص لقوا حتفهم ، ناهيك عن الخساير في البنيات الأساسية ؟
ومن يمكن له أن ينكر ما ساد عشرينية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ١٩٩٩- ٢٠١٩ وما سادها من فساد متنوع ٠ ولقد أطلق على الرجال الذين تولوا السلطة في آخر عهده وصف العصابة على عرار عصابة المافيا ، إذ إرتفعت خلالها وتيرة تهريب المخدرات ليصل الأمر الى استيراد سبعمأئة كيلوغرام ، ( نعم ٧٠٠ كيلو) وفي دفعة واحدة ، كانت ستسوق انطلاقا من الجزاير لولا إكتشافها على يد المخابرات الإسبانية والأمريكية ؟
كل ذلك كان من مخلفات النظام السياسي – العسكري الذي أرسى أسسه العقيد هواري بومدين ٠ ولا أريد أن يفهم مما أكتبه أنني أتحامل على الرجل ، ولكن أريد فقط أن أقدم شهادتي عما إستخلصته من دروس واستنتاجات خلال ممارستي الصحفية التي إبتدأت سنة ١٩٥٧ ،وكانت قد انصبت خلال فترة الجهاد الجزائري على مسيرة المجاهدين ، وإريد هنا أن أن أتساءل مع المتسائلين :
ما هو الثمن الذي أدته الجزائروتحمل عبأه الشعب الجزائري على مضض من جراء مخلفات عهد بومدين ؟
وما جدوى ذلك النفوذ الإقليمي والدولي الذي تعاظم على عهده والذي سرعان ما تبدد ، وتحاول اليوم ( الجزائر الجديدة ) إسترجاعه على عهد الحكم الحالي المزدوج الذي يتقاسم السلطة في حظيرته عبد المجيد تبون والسعيد شنقريحة ؟
كل هذه الأسئلة ( المحرجة لمن لا يستسيغ محاكمة النظام الذي أقامه العقيد هواري بومدين ) ، تتطلب الأجوبة للحكم له أوعليه ٠
إنه إرث ثقيل ذلك الذي ورثته الجزائر من عهد الرئيس هواري بومدين ، وأثقل وأخطر ما يتضمنه ، نزاع الصحراء الذي جعل ( قضية الصحراء ) بمثابة عقيدة لايسمح بالردة عنها ، وكل من يحاول المساس بها من القادة يعتبر خارجا عن الإجماع الذي يسود ، فيتم عزله والإطاحة به كما حدث للرئيس الشاذلي بنجديد ، أو يكون مصيره الإغتيال كما حدث للرئيس محمد بوضياف ٠
لاأريد أن أنهي حديثي هنا دون الإشارة إلى ذلك الصراع الشخصي المرير الذي نشب بين الرئيس هواري بومدين والملك الحسن الثاني سنة ١٩٧٥ ، وإلى الصحراء التي أضحت محل نزاع بينهما ، وتسببت في إنهيار ماحصل بينهما من تفاهم تاريخي في إفران سنة ١٩٦٩، وبالتالي استبعاد تطبيق ما نتج عنه من إتفاق لطي صفحة نزاع الحدود بمقتضى اتفاقية الرباط لسنة ١٩٧٢، التي كانت تقضي أيضا بإقامة شراكة أقتصادية
لوطبقت لكان المغرب والجزائر قد عرفا أزهى فترات تاريخهما المشترك ٠
فماذا كان مصيركلا الرجلين ؟ وماذا خبأ القدرلكل واحد منهما ؟
لقد سبق لي أن كتبت تحليلا سياسيا مسهبا في هذا الموضوع ، ولست نادما على ما كتبت قلت فيه ما معناه : لقد عاقب القدر الرئيس هواري بومدين فاجأ بوفاته وهو في أوج قوتته البدنية والعقلية لانه تسبب في نشوب نزاع الصحراء ، فحال دون أن يأخذ التاريخ مجراه نحو بناء المستقبل الواعد الذي كان المغرب العربي سيعرفه ، ولم يمهله قدره سوى ثلاث سنوات بعد نشوب نزاع الصحراء ، تاركا للمنطقة مأساة ما يزال يعاني من ويلاتها جزء من الصحراويين في مخيمات منتشرة في صحراء الجزائر القاحلة ويتحملو شظف العيش ، كما أراد لهم ذلك النظام الجزائري ٠
وبالمقابل أراد القدر وإرادته من إرادة الله ، أن يمد في عمر الملك الحسن الثاني عشرين سنة إضافية يمارس فيها الحكم ، وأتيح له خلالها ، بحول الله وقوته ، تحصين الصحراء مدنيا بما تحقق في ربوعها من عمران ، وتحصينها عسكريا بما تم تحت قيادته من تشييد لمنشآت دفاعية تمثلت أساسا في الجدار الدفاعي الذي أقبر حلم تلك الفئة من الإنفصاليين الصحراويين ، وتبخرت نتيجة لك مطامع الجزائر في بسط هيمنتها في المنطقة ٠
أفلا يمثل ما قلته عن مصير الرئيس هواري بومدين والملك الحسن الثاني عبرة لمن يعتبرودرسا من دروس التاريخ ؟