أثار دهشتي، وأنا أود التنقل من مدينة مغربية إلى العاصمة الرباط، تفاجأت بالثمن الذي طلبه مني الشاب المكلف بالتذاكر، حيث طلب مني 200 درهم، وهي في الحقيقة 140 درهما، كما تعودت، فقلت له مستغربا لماذا، فأجابني إنه الثمن الجديد، وأضاف “هما لي داروه أنا غ خدام”، تفهمت جملته وحتى لا أحمله المسؤولية. لكن السؤال المطروح هو أن أصحاب النقل الطرقي استفادوا من الدعم الموجه لمهني النقل، ورغم ذلك تمت إضافة ليس 10 أو 20 درهما بل 60 درهما مرة واحدة. فأي بشع أكبر من هذا؟ هذا فقط مثال حي لآلاف الحالات، التي نعيشها يوميا، أو نسمع عنها.
نفس الشيء نقرأه ياستمرار عن أماكن الاصطياف والأثمنة الخيالية التي يطلبونها، حيث نشر بعض الأشخاص أن الخبز يباع ب10 دراهم في بعض المناطق السياحية، وأن الطاجين الذي اعتاد الناس طلبه ب70 أو 80 درهم تعدى 200 درهم، والمشكلة أنه في مناطق بعيدة، حيث تكون مرغما على قبوله، لبعد المسافة عن المجال الحضري أو أقرب المطاعم والمحلات التجارية، وهو الأمر الذي يدعوا إلى طرح العديد من علامات الاستفهام.
هل نحن بشعون واستغلاليون لهذه الدرجة؟
هل نصبح كذلك حين تتاح الفرصة لنا؟ ونعيب على الآخرين استغلالهم لنا؟
هل نحمل في أعماقنا شخصا جشعا، يخرج في أول فرصة تتاح له؟
أسئلة عديدة ومحيرة لظواهر سوسيولوجية تجتاح مجتمعنا بين الفينة والأخرى، تدعو للوقوف على حقيق تصرفاتنا ومفاهيمنا للمواطنة وللفساد وللاستغلال وللبشع، أم تشتكي أمام الكاميرا من أساتذة الحراسة لانهم حرموا ابنتها من الغش. هل هي جينات تجري في دمنا أم تصدعات المجتمع القيمية والأخلاقية، أو كما يؤكد عالم الاجتماع سعيد بنيس بضرورة التركيز على المد التربوي والأخلاقي ودورها في ترسيخ السلوكات المتحضرة وتثبيت الممارسات والمواطنة.
أحيانا، وفي بعض الإدارات، حتى الحارس يستعمل سلطة غريبة مع الناس، وهو نفسه من يشتكى من الأحزاب والغلاء، لكنه لا يتوارى في استعمال سلطته ونفوذه حين تحتاج أن يسدي لك خدمة ما. في المستشفيات، وحتى في المصحات الخاصة من الكاتبة إلى المحاسب إلى … الكل يتفنن بطريقته في استعمال السلطة إن لم نقل الاستغلال أحيانا.
الكل يعرف الأموال الطائلة التي تصرف في الانتخابات، ربما أكثر بكثير مما سيجنيه من المنصب، لكن الجميع يعلم سر ذلك، أو الأظرفة التي تعطى لكسب الرئاسة أو منصب ما بالبلديات أو الجهات، الكل يعرف ماذا سيجني من راء منصبه هذا. الكل يسعى للسلطة، والكل يعرف أن السلطة توصل للثراء في الكثير من الحالات إلا أولئك الشرفاء الذين خرجوا منها كما دخلوها أول مرة، إنهم شرفاء الوطن وبفضلهم لا زال الأمل قائما في بناء المجتمع المنشود رغم فساد الكثيرين وبشعهم.
فأين جمعيات حماية المستهلك، وأين هو الإعلام الذي يجب أن يعري هذه الممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية، يقول أحد الحكماء “في قلبِ كل إنسان نبتة صَالحَة؛ إن سقاها بالخير تفرّعت وصنعَت له بستُاناً ، وإن سقاها بالشر فسَدت وأفسدت أرضه”. فأصلحوا أنفسكم حتى يصلح حال المجتمع ويصلح حال الوطن الذي تسيئون إليه.