تقدم أي مجتمع رهين بحالة الإستقرار والأمن والسلم الإجتماعي الذي يسود بين كل مكوناته، إنه حالة السلام والوئام الإنساني الذي يطبع بيئة المجتمع، كلها عناصر تساهم بشكل مباشر في تطور وبناء المجتمع والفرد أي بناء الوطن. وعليه فإن صفاء أجواء المجتمع من العلاقات المضادة والصراعات يجعله مهيئا للعمل الجماعي والتعاون والبناء النهضوي.
الأمن المجتمعي يشكل القاعدة الأساس التي ينطلق منها الأفراد بشكل حر نحو تأمين تعايشهم الثقافي، الاجتماعي والسياسي. الشيء الذي يوفر لهم الإحساس بالاستقرار والبحث عن تطوير سبل التعايش مع الآخر والعمل على تنمية وتطور المجتمع في إطار عدالة اجتماعية واضحة، إلا أن هذه الأخيرة لا يمكن تحقيقها إلا بسلط سياسية ديمقراطية تؤمن بالمراقبة والمحاسبة.
فالأمن المجتمعي ليس فقط مسألة علاقات بين الأفراد بل أيضا علاقة التعاقد التي تجمع الفرد بالسلط العليا، أي بالمقررين السياسيين الذين انتخبهم الناس لتسيير شؤونهم، إذ أن السلم المجتمعي هو تحقيق توافق بين كل مكونات الدولة أي بين جميع قوى المجتمع ابتداء من الدولة وانتهاء بالفرد، وإذا ما أخل أحد الطرفين بهذا العقد فإن شعار المرحلة سيكون الصراع وانفصال بين المنظومة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مما يهدد الوحدة الداخلية للمجتمع.
يعرف كل مجتمع بطبيعة البناءات الداخلية والتركيبة الطبقية والقبلية والعرقية، إلا أنها تبقى ثانوية حين يتحقق تكافؤ الفرص والعيش الكريم والتي يحددها طبيعة النظام السياسي والمؤسساتي القائم وقدرته على التعامل مع التعددية بشكل يجعل مصلحة الوطن في ذهن الأفراد قبل كل شيء. فحين تسهر المؤسسات السياسية للدولة على خدمة الفرد وتحقيق العدل والمساواة فهي تسعى أيضا لتطبيق القانون بشكل عادل ومنصف، إذ يصبح احترام القانون مطلبا مجتمعيا والالتزام بأسسه مما يحقق الأمن المجتمعي بشكل موضوعي ويساهم في الرفع من منسوب الوطنية والوعي الحضاري واعتبار القانون أداة إيجابية لتعزيز قيم الحق والعدالة الاجتماعية.
ولتحقيق ذلك يجب التركيز بشكل دقيق على الحقوق والواجبات ووجوب احترامهما بشكل دائم، والأمن ليصبح عنصرا قويا يجب عليه تحقيق المساواة الكاملة بين كل أفراد المجتمع مهما اختلفت مشاربهم وتوجهاتهم. كما أن شعور الجميع بمسؤولياتهم المشتركة في إطار حقوق وواجبات يضمنها ويكفلها ويحترمها القانون سيوسع من هامش الحرية والممارسة. في هذه الحالة تكون المؤسسات القانونية ملزمة بتطبيق العدل والحقوق داخل مؤسسات الدولة لتحقيق النزاهة والشفافية المطلوبة.
النزاهة والشفافية يبرهنان على مدى نجاعة الرقابة القانونية على المنظمات والأفراد داخل المجتمع الشيء الذي يتيح فرصة بناء وتشكل وعي سياسي ومجتمعي من قبل الأفراد مما يسمح بتغيير المفاهيم السلبية اتجاه السياسة والدولة بشكل عام.
فالأمن بمفهومه الكلاسيكي أي القوة التي تضمن إرساء النظام العام وتثبيت أسس الاستقرار غير كافية لتحقيق السلم المجتمعي ما لم تواكبها تحولات أخرى تشبع لدى المستهلك تمتعه بحقوق المواطنة كاملة بدون نقص. الأمن ليس فقط أداة للهيمنة كما يفهم الكثيرون بل بالعكس أداة لتحقيق العدالة والسلم المجتمعي من أجل راحة الفرد وبناء مجتمع سوي داخل دولة متكاملة البنيان.