أخبارفي الصميم

يوم حسمت معركة إنتساب إقليم وادي الذهب للمملكة المغربية شرعيا وعسكريا

كان الإعلامي البارز الأستاذ محمد الصديق معنينو قد ذكرنا بأن الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه طلب من الفقيه الذي كان بصدد تقديم الدرس الديني الإختصارفي عرضه لما لجلالته من المشاغل ، وصرح بما يوحي أن الأمر جد فيما يواجهه وقال رحمه الله ” كبرها تصغار ” ٠ حدث ذلك يوم ثاني غشت 1979في ذلك المحفل المهيب الذي تمثله الدروس الحسنية التي يحضرها علماء الدين الإسلامي من مختلف إنحاء العالم الى جانب كبار رجال الدولة المدنيين منهم والعسكريين

بقلم:عبدالسلام البوسرغيني

لم نكن قد أدركنا ما يستهدفه المرحوم الحسن الثاني من تدخله أثناء الدرس الديني ، إلى أن حل يوم خامس غشت 1979 ، أي بعد ثلاثة أيام ، إذ في هذا اليوم حملت إلينا الأخبار نبأ التوقيع في العاصمة الجزائرية على ماسمي ب( إتفاقية السلام ) بين موريتانيا والبوليساريو، وإعلان العسكريين الذين استولوا على الحكم بعد الإطاحة بالرئيس المرحوم المختار ولد دادة عن تخلي موريتانيا عن إقليم وادي الذهب الذي كان الموريتانيون يطلقون عليه أسم تيريس الغربية

ولقد أدركنا إثرذلك أن الدوائر العليا المغربية كانت على علم مسبق وبواسطة وسائلها الخاصة ، بما كان يحاك في الجزائر بالنسبة لذلك الجزء من الصحراء الذي أحرزته موريتانيا بمقتضى إتفاقية مدريد المبرمة يوم ١٤ نوفبر١٩٧٥ بين المغرب وموريتانيا من جهة وبين إسبانيا التي أنهت بمقتضاه إسبانيا إستعمارها للصحراء والإنسحاب منها بحلول آخر فبراير1976

كان الملك الحسن الثاني رحمه الله يشتغل ليل نهار على قضية الصحراء التي حولها الرئيس الجزائري الراحل إلى نزاع مغربي – جزائري ، مجندا لحملته ما تتوفرعليه الجزائر من إمكانيات وما كسبته من نفوذ ، ثم تركه كإرث ثقيل لمن تسلم الحكم والسلطة بعد وفاته في دجنبر 1978 ٠ لم يكن أي أحد يتوقع موت الرئيس بومدين الدرامي وهو في أوج قوته وجبروته واندفاعه ، نتيجة إصابته بمرض مجهول لم يمهله طويلا ، وقيل انه مات من جراء تسميمه وهو في جولة بالمشرق العربي ٠

لقد جعل رجال الحكم في الجزائر بعد غياب بومدين من قضية الصحراء عقيدة لا تقبل الردة ، ويعاقب كل من يحاول من القادة تلمس سبل تسويتها ، إما عن طريق العزل كما حدث للرئيس الشاذلي بن جديد ، أوعن طريق الإغتيال كما حدث للرئيس محمد بوضياف ٠

وكما يبدوفإن معالجة قضية الصحراء بالنسبة للجزائر تتولاها الدولة العميقة المتحكمة في السلطة ، و تتخذها وسيلة لتصعيد الصراع بين الجزاير والمغرب ولتأجيج الخلافات ٠ وهكذا فإن من بيدهم الأمر أضحوا يتعمدون إظهار ما تضمره قلوبهم من حقد وضغينة ضد المغرب واتهام قادته بنوايا التوسع لكونهم طالبوا في يوم من الأيام بالإنصاف ورفع الغبن الذي ألحقه الإستعمار الفرنسي بالمغرب في ترسيم الحدود ،وبالوفاء بالعهد طبقا للإتفاق المبرم مع الحكومة الموقتة للجمهورية الجزائرية التي كانت تقود ثورة التحرير ، وهوالإتفاق القاضي بمراجعة الحدود

لنعد إلى أحداث غشت 1979لنشير إلى أن الدوائر العليا المغربية عندما بلغها ما كان يحاك في العاصمة الجزائر ية للإيقاع بالمغرب ، سارع إلى إعداد العدة لمواجهة وإحباط تلك المؤامرة الخطيرة التي إستهدفت إيجاد مجال ترابي للكيان الصحراوي في إقليم وادي الذهب الذي اعلن الموريتانيون التنازل عنه ٠ وما أن بدأ الزحف العسكري القادم من التراب الجزائري قاصدا مدينة الداخلة حتى كإن كل شيء مهيأ لمواجهته وإلحاق الهزيمة برجاله ٠ ولكل واحد أن يتخيل ما كان سيواجهه المغرب لو تمكنت القوات الزاحفة من فتح الطريق للجيش الجزائري للوصول إلى مدينة الداخلة

لقد كنت بصفتي الصحفية شاهدا على ما حدث في ذلك اليوم المشهود يوم 11 غشت 1979 الذي استطاع المغرب خلاله حسم معركة وادي الذهب ،سواء في جانبها الشرعي أو جانبها العسكري : ٠

فمن الجانب الشرعي ، أوالقانوني إن شئنا القول ، تم تجديد البيعة للعرش العلوي في شخص المرحوم الحسن الثاني ٠ ففي مهرجان شعبي مشهود يتقدم الحاضرين فيه شيوخ قبائل إقليم وادي الذهب ووجهاؤه ، ومن منبر المهرجان تلا قاضي مدينة الداخلةنص البيعة الشرعية لأمير المؤمنين ، قوبلت تلاوتها بالهتافات والزغاريد

وفي الجانب العسكري الذي حسم مستقبل الإقليم جرت في الفترة التي عقد أثناءها ألمهرجان الشعبي في الداخلةتلك المعركة الفاصلة ، وتم إلحاق الهزيمة بالمغيرين من الإنفصاليين والمرتزقة الذين كان النظام الجزائري قد جمعهم من كل الآفاق وسلحهم وادعى أنهم يكافحون باسم الشعب الصحراوي الذي لم يكن له وجود

كنّا ونحن في خضم سير المهرجان الشعبي بالداخلة نشاهد تحرك الطيران العسكري الذي شارك بفعالية في إلحاق الهزيمة بالمغيرين ، وعرفنا فيما بعد ما جرى في موقعة بير أنزران التاريخية

وبعد ثلاثة أيام أي في يوم14 غشت 1979كان وفد سكان إقليم وادي الذهب المكون من وجهاء إلإقليم قد حل بالرباط واستقبلوا من طرف المرحوم الملك الحسن الثاني وقدموا لجلالته البيعة المكتوبة وتلا نصها في حضرته قاضي مدينة الداخلة ، ثم سلم الملك الحسن الثاني وبيده الكريمتين السلاح على أعضاء الوفد الصحراوي للدفاع عن أنفسهم ولحماية إختيار هم والوقوف في وجه كل من يسعى لفصل إقليمهم عن المغرب الموحد

وهكذا كانت تلك الفترة من شهر غشت 1979قد عرفت تطورات متلاحقة تم خلالها حسم مصير إقليم وادي الذهب ، وبالتالي مصير الصحراء المغربية ، لنصل الى تطهيرمنطقة الكركرات من المرتزقة بعد إحدى وثلاثين سنة ، وبعد تحصينها من العدوان ٠ وكل ذلك تطلب مجهودات وتضحيات ساهم في تقديمها مختلف فئات الشعب المغربي وفي مقدمتهم أبناء الصحراء المغربية وأهلها الأشاوس والكرام.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button