ألا ساء ما يحكمون
بقلم: الدكتور حسن الجامعي
لو اجتمع الأطباء النفسانيون والمختصون في علم الاجتماع لمدارسة وتقييم الحالة النفسية والعقلية للقادة العسكريين الذين يتحكمون في زمام أمور الجزائر لأعيتهم الحيلة، ولوقفوا وقفة اندهاش وغرابة أمام نفسيات مريضة وعقليات عفنة. كيف لا، وقد دأب قادتهم منذ عقود طويلة على اتهام المملكة المغربية العريقة بكل فشل ذريع تتخبط فيه الجزائر، وبكل أزمة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية عصفت بأمنهم، وهددت مناصبهم، وهذا السلوك هو ما يسميه علماء النفس بالتبرئة النفسية للعقل أو الإسقاط projection ) )، وهو عن حيلة دفاعية من الحيل النفسية اللاشعورية، وعملية هجوم يحمي الفرد بها نفسه بإلصاق عيوبه ونقائصه ورغباته المحرمة أو المستهجنة بالآخرين.
كما أنها عملية لوم الآخرين على ما فشل هو فيه بسبب ما يضعه أمامه من عقبات وما يقع فيه من زلات أو أخطاء. وهذه الآلية النفسية أو إن صح التعبير العلة النفسية قد تكون فردية تهم أشخاصا بأعيانهم وقد تكون صادرة عن مؤسسات كما هو الشأن بالنسبة للتجارة الجزائر. فقادتهم المجانين يحاولون جاهدين الالتفاف حول السياسة التي ترعاها الأمم المتحدة والسعي إلى إحياء الدور السلبي الذي لعبه الاتحاد الإفريقي قبل عودة المغرب إلى هذه المنظمة. مستعملين كل الأوراق الكيدية لمنع المغرب من تحقيق مكتسبات إضافية تمكنه من حسم النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وبالتالي حق لنا أن نتساءل عن النيات المبيتة لدى النظام الجزائري تجاه المغرب. ثم نتساءل أيضا – بتوجيه سؤال تاريخي إلى جنرالاتهم – ألم تعرف الجزائر خيانات سياسية داخلية جعلتها لا تستحي من أن ترمي بدائها المملكة المغربية العتيدة والتليدة ثم تنسل ؟ فمثلا بعد حرب الرمال بثلاث سنوات تقريبا ، عرفت الجزائر انقلاب الهواري بومديان سنة 1965 ووصوله إلى رأس السلطة ووضعه لأحمد بن بلة الرئيس السابق رهن الإقامة الإجبارية، ولَم يكتف بومديان بهذا الإعتقال والاعتداء بل وصل به الحال إلى وصف سلفه بن بلة بأقذع النعوت ألقاها أمام المهرجان الثقافي الإفريقي الذي نظم في الجزائر سنة 1969 . فهذه السياسة المتبعة في الجزائر وغيرها من السياسات التي تدخل في إطار الخيانات العظمى تؤكد على أن قادات الجزائر لا يعنيهم مصلحة هذه الأخيرة، ولا استقرارها أو طمأنينة شعبها بقدر ما يهمهم ترويع الآمنين وتخويف المطمئنين وتجويع المحتاجين.
وأمام هذا القمع السياسي الممنهج والاختناق الاقتصادي والاجتماعي لم يجد بومديان وحاشيته بدا من القرار نحو اختلاق مشاكل خارجية مستحضرا مرارة الهزيمة سنة 1963، والدخول في مغامرات ضد الجار الغربي ( المغرب )، الشيء الذي جعله يؤسس عقيدة قديمة جديدة يعتنقها ويؤمن بها كل دكتاتور وصل إلى السلطة بطرق غير شرعية ولا قانونية وهي عقيدة خلق عدو يستعمل كشماعة لتعليق كل فشل داخلي. وقد نسي هذا الأخرق والذين جاءوا بعده من الانفصاميين أنه لا وجه للمقارنة بين بلدين أحدهما شرب من كأس الخيانة والمكر والإرهاب والقمع حتى الثمالة، والآخر الذي اتحدت قواه السياسية المتمثّلة في ملك وشعب وجيش، فكل ركن من هذه الأركان انصهر وذاب في الآخر حتى أصبح كتلة متجانسة لا يمكن فصلها.
وبالتالي فالناظر إلى التاريخ المظلم لجنرالات الجزائر ومكرهم وكيدهم وخياناتهم يرى بكل وضوح كيف عمل هؤلاء المرضى الحاقدون على استقطاب وتأطير بعض الشباب الصحراوي المغرر بهم، وإسقاطهم في مستنقع الخيانة، وتأطيرهم بالسلاح وإشباع رغباتهم والطمع فيهم، وإقناعهم بأنهم شعب يستحق أن تكون لهم دولة مستقلة. وهم بذلك يسعون إلى جعلهم شوكة في حلق المغرب تعيقه عن أي تقدم أو ريادة للمنطقة المغاربية وتجعله ضعيفا. لكن هؤلاء المأفونين أخطئوا في حساباتهم، وغاب عنهم إما لغبائهم وحمقهم أو بسبب مكرهم وحقدهم وحسدهم وهذا هو الراجح أن المغرب طور العمل الدبلوماسي على الصعيد الدولي عامة وعلى الصعيد الإفريقي خاصة، بعد أن عاد إلى منظمة الوحدة الإفريقية، بعد ما فسح انسحابه لأعداء الوحدة الترابية الولوغ في ثوابته وقضاياه الكبرى، مما جعل الجزائر تسعى إلى ضرب الوحدة الترابية بزرع جسم فيروسي غريب في الصحراء المغربية. وهذا الرجوع المغربي المبارك إلى الاتحاد الإفريقي كان مباركا حيث جعل الكثير من الدول الإفريقية تعود إلى رشدها وتكفر عن أخطائها عن طريق الاعتراف بمغربية الصحراء، ويجسد ذلك فتح عدة قنصليات في قلب الأقاليم الجنوبية الداخلة في نطاق النزاع. وكانت الضربة القاضية والقاصمة اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه بتاريخ 10 دجنبر 2020 ، وأصبح الحكم الذاتي هو الحل الواقعي والمنطقي لطي ملف النزاع المفتعل من قبل الجزائر وصنيعتها البوليساريو. وهذا الطرح المنطقي والعادل هو الذي يؤيده العديد من الدول.
وختاما أقول وأتساءل مرة إخرى، أما كان الأجدر بقيادات الجزائر الذين يمكرون بالمغرب ووحدته الترابية ليلا ونهارا وسرا وجهارا أن يسعوا إلى إيجاد حل اقتصادي وسياسي واجتماعي وتنموي ودمقراطي لشعبهم الذي أنهكته ضربات الظلم المتتالية ؟ فها هي الجزائر تشهد حراكا شعبيا قويا ما يزيد على السنتين يطالب من خلاله الشعب بإصلاحات جذرية على المستوى الاقتصادي والسياسي والحقوقي، وقد فاض بهم الكأس وتجرعوا صديده حتى الثمالة بسبب تعاقب ديكتاتوريات لم تعرف جديدا وإنما سعت إلى استبدال صنم عبد العزيز بوتفليقة بصنم آخر هو عبد المجيد تبون. ألم يكن من الرشد أن يستوعب هؤلاء القادة الفاشلون من العشرية السوداء التي أزهقت بسببها الكثير من الأرواح البريئة ؟ ألم يكن من الرشد أن يسعى هؤلاء الطغمة الجائرة إلى تغيير جذري يقوم على العدالة والتنمية المستدامة لشعب فقير مضطهد، فيستفيد المحرومون من تلك الأموال الطائلة الخيالية التي تصرف على كيان وهمي يسمى البوليساريو ؟ لكنني أقول متمثلا قوله تعالى : (( إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )). وإن غدا لناظره