صدر أخيرا التصنيف المعروف عالميا، تصنيف شنغهاي الموثوق، الذي تصدره مؤسسة شنغهاي رانكينغ كونسلتنسي، لأفضل ألف جامعة عالميا، التصنيف الذي تتربع على عرشه جامعة هارفارد الأمريكية لمدة عشرين عاما على التوالي، أي منذ إصداره سنة 2003.
بقلم عبدالله العبادي
الجامعات الأنكلوسكسونية تستحود على المراتب العشر الأولى كالعادة، حيث ثمان جامعات أمريكية وجامعتين بريطانيتين، فيما كان نصيب الجامعات الفرنسية، جامعة باريس ساركلي احتلت الرتبة 16 ثم جامعة السوربون العريقة المرتبة 43 عالميا. حيث كان نصيب الأمريكيين 39 جامعة من بين مائة أفضل جامعة في العالم.
هارفارد جاءت متقدمة مرة أخرى على جامعة ستانفورد، فيما حلّ ثالثاً معهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا وهو جامعة أمريكية أيضا. فيما جاءت كامبريدج البريطانية في المرتبة الرابعة، تلتها جامعة بركيلي خامسا ثم برينستون سادسا، بينما نالت جامعة أكسفورد البريطانية المرتبة السابعة.
التصنيف الجديد لهذه السنة، الذي عرف دخول 19 جامعة عربية، سبع جامعات من السعودية وسبع جامعات من مصر، وجامعة واحدة من كل من الأردن ولبنان وقطر وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة. التصنيف الذي غابت عنه الجامعات المغاربية، وخصوصا المغربية، والتي سبق لكل من جامعة محمد الأول بوجدة وجامعة محمد الخامس بالرباط وجامعة القاضي عياض بمراكش، أن كانت ضمن الألف جامعة في تصنيفات لسنوات سابقة.
فما الذي حصل للجامعات المغربية، عوض أن تتقدم في الرتب، الجامعات الثلاث التي سبق تصنيفها، وتضاف إليها جامعات أخرى، ها هو ترتيب هذه السنة خال من أي مؤسسة جامعية مغربية، أين الخلل؟ أين العيب؟ أهي مشكلة تجهيزات، أم مشكلة أطر، أم مشكلة مستوى وبرامج؟ أم هي التبعية الفرنكفونية التي أصبحت خارج إطار الزمان والمكان؟
أسئلة عديدة لمشكل جوهري يعتبر أساس بناء الأمم، التعليم هو الركيزة التي تبنى عليها خيام المجتمع. فنحن لا نطالب بمنافسة أكسفورد أو هارفارد في الوقت الحالي، لكن على الأقل ضمان تعليم سليم حتى لا نتحسر غدا، أو نستفيق على جيل من الخريجين والأساتذة لا علاقة لهم بالعلم والمعرفة، ويكون المجتمع آنذاك في خطر كبير. المجتمع المأمول يتوقف على قدرة الرفع من توقعاتنا في الحياة إزاء التنمية والرفاهية والسلم والتقدم، لأن هذه التوقعات تولد من رحم العقول والمعرفة والإنتاج الفكري والبحث، وبناء الحضارة ليس ضربة حظ أو صدف وإنما تحصيل حاصل لما هو كائن اليوم.
يقول محمد الشرقاوي في حديثه عن التصنيف الجديد وعن الميزانيات المخصصة للبحث العلمي بالمغرب أن: “الميزانية الموضوعة تحت تصرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لتدبير كرة القدم فقط دون باقي الرياضات، تفوق ميزانية البحث العلمي بكل تخصصاته وفروعه ب 54 مرة.” وهو أمر مؤسف حقا، أي كل درهم يستثمر في البحث العلمي يقابله 54 درهما في كرة القدم وحدها. فما الذي جنيناه من كرة القدم؟ خيبات متتالية وصراع المدربين، وآمال النصر مؤجلة، السنغال ميزانيتها أقل من ميزانية المنتخب المغربي بعشرين مرة وحازت على الكأس الإفريقية.
ماذا لو كانت هذه الأموال، قد استثمرت بشكل جدي في ميدان البحث العلمي. والكل يعلم الأطر التي يتوفر عليها المغرب، سواء بالداخل أو بالخارج. يقول الأستاذ سعيد بنيس من جامعة الرباط، معلقا على تصنيف شنغهاي، “أن هناك إشكال مركزي يتعلق بتصويب السياسة اللغوية للبحث الجامعي بالمغرب، حيث لم يتم الحسم في لغة التداول العلمي، وذلك لأن غالبية الباحثين المغاربة ينشرون أبحاثهم بالعربية أو الفرنسية، بيد أن التصنيفات الدولية تعتمد على محددات من بينها النشر في مجلات بعينها تكون لغة النشر فيها هي الإنجليزية، مما يؤدي إلى تغييب الجامعة المغربية في هذه التصنيفات لا سيما منها شنغهاي.”
وفي تعليقه على المراكز التي احتلتها الجامعات السعودية، يقول عبدالحفيظ محبوب، أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة أم القرى، بأنه “نتيجة للأولويات التي أولتها المملكة للبحث العلمي والتطوير والابتكار للعقدين المقبلين ضمن أربع أولويات تتضمن صحة الإنسان، استدامة البيئة، الريادة في الطاقة والصناعة واقتصادات المستقبل. كما تم تنظيم أمر البحث والتطوير المشتت بين الشركات والجامعات، وجعله تحت الإشراف المباشر والفعال وهو ما يتطلب تبني حوكمة جيدة للاستفادة الفعالة من البحث والتطوير والابتكار لتطوير البرامج والمشاريع وتوزيع الميزانيات ومراقبة الأداء.”