أخبارفي الصميم

أبناء الوطن وإعادة إنتاج النخب

مما يثير انتباهنا يوميا وبشكل مفزع مشاهد أطفال يجوبون الشوارع حفاة ومتسولين على الأرصفة ومحطات المسافرين وموانئ المملكة، مشاهد تختزل معاناة طفولة مهمشة في مجتمعات الظلم والفساد. أطفال في سن مبكرة تعبوا من الوضع ومن الواقع ومن المجتمع الذي لم ينصفهم، إنهم آلاف الأطفال المقصيين والمهمشين الذين يعانون ويتشردون يوميا في كل أنحاء وطننا الكبير.

بقلم عبدالله العبادي

الآلاف من الأطفال يغادرون المدارس سنويا لأسباب متعددة، في وقت يعتبر التعليم إجباري حتى السادسة عشر من العمر، بعضهم يعاني في صمت داخل ورشات ومقاولات صغرى رغم أن القانون يمنع تشغيل الأطفال، والكثير منهم يحتضنهم الشارع لتبدأ رحلة الانحراف والسرقة والمخدرات والمعاناة اليومية، لتلاميذ في مقتبل العمر. فتيان وفتيات صغار ومراهقين يجوبون الشوارع ليل نهار يعتبرهم البعض مصدر إزعاج وآخرون يعتبرونهم ضحية مجتمع، وسياسة لم تفلح بعد في وضح خطة واضحة لوقف هذا النزيف السنوي، والذي يهدد مستقبل جيل بكامله. أرقام مهولة وواقع كارثي لأطفال يعول عليهم لبناء مجتمع الغد أو على الأقل سيكونون طرفا في تكوينه وقيامه، إنهم ببساطة رجال مجتمع الغد.

دون الحديث عن فئة تعاني في صمت، أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة خصوصا أطفال العائلات الفقيرة والهشة، والتي لا تستطيع تمكين أطفالها من التمدرس أو حتى العلاج لقلة الإمكانيات.

والمؤسف جدا وما يحزنني هو حين يتحدث أحدهم وأعني رجال السياسة، عن أطفال الوطن ومستقبله وحين يتم التعميم في وطن الطبقات والمصالح الإجتماعية، فما المقصود بأبناء الوطن حسب مصطلحاتهم هم ومفاهيمنا نحن؟

حاولت جاهدا أن أفهم المغزى والمقصود، فهل يعني أبناء الوطن بالنسبة لهم، هم أبناء العامة والطبقة الكادحة  ودور الصفيح والمدن الهامشية وقرى القرون الوسطى،  أم أبناء الطبقة الوسطى السائرة في طريق الانقراض والذين ينتحرون “اقتصاديا” ويوميا لتوفير سبل عيش كريمة لأبنائهم ربما يكون مصيرهم أفضل بكثير من مصير الآباء.

أم يقصدون بأبناء الوطن أبناؤهم هم، أي الساسة والنخبة، أبناء المدارس الأجنبية والكتب الأجنبية واللغات الأجنبية والمدرسين الأجانب، حتى أصبحوا هم أيضا أجانب ولا علاقة لهم بهذا الوطن سوى وجود مدارسهم على أرض الوطن، لا علاقة لهم بعادات الوطن ولا ثقافته ولا أعياده ولا تقاليده ولا حتى لغته.

إنهم نسخة أجنبية منقحة برتوشات محلية، ما هم لا محليون ولا مستوردون لكنهم صمموا لقيادة البلاد.

بالنسبة للساسة والنخبة العليا، هؤلاء هم أبناء الوطن الحقيقيون، هؤلاء الذين لا نراهم كثيرا في الشوارع ولا يحدثون الفوضى ولا ينتفضون من أجل المطالبة بالحقوق والمساواة والعدالة الإجتماعية داخل الوطن.

باختصار، هم غير معنيون بما يجري من فساد داخل هذا المجتمع، غير معنيون بما اغتصب من حق ولمن سيؤول هذا الحق، كل شيء تم الترتيب له مسبقا : تعليم أجنبي ودبلومات أجنبية ثم العودة لتقلد المناصب العليا وتوريث الكراسي والمقاعد للنخبة أبا عن جد.

 لكن، إنهم كلهم أبناء الوطن في الحقيقة جميعهم أطفال أبرياء لا ذنب لهم، كلهم أبناء هذا البلد الجميل والغني والرائع، أبناء المغرب الكبير بخيراته وثقافاته وهوياته واختلافاته وحضارته الضاربة في القدم، إنهم فقط ثمار مجتمع طبقي فاسد وسياسات تعليمية هشة، إقصائية وفاشلة تعيد إنتاج نفس المجتمع ومدارس الطبقات وتعيد إنتاج نفس النخب في الزمان والمكان جيل بعد جيل.

لا مجال لتكافؤ الفرص والمساواة والعدالة الإجتماعية في سياسات مدرسية تحمي مصالح النخبة السياسية، الأطفال سواء المحظوظون أو الضحايا سيعيشون غدا نفس الوضع في مجتمع غير عادل وطبقي بامتياز.

 فئة الضحايا ستشكل مواطنين مسالمين وجموع انتخابية على أكثر تقدير، عليهم تحمل سياسات التقشف والمخططات الفاشلة وكل أنواع الأزمات والنكبات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية. الفئة الثانية هي فئة المحظوظين، فئة النخبة فهي التي ستحكم هذا الوطن شئتم أو رفضتم، إنه القدر الإجتماعي والطبقي الذي أرادوه لهم ولأبنائهم، إنه قدر المجتمعات الهشة والمتآكلة والفاسدة، هؤلاء هم من سيقررون مصير الفئة الأخرى ويكرسون واقعا يعيد إنتاج نفس المنظومات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والتعليمية بطريقة دورية ومتكررة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button